شأنه, وتعديد نعمه, من لدن خلقه وأنشأه إلى حين وفاته, مع ما يرجى في الآخرة من رحمته، ليعلم من ذلك أن من هذه صفاته حقيق بالعبادة، واجب على الخلق الخضوع له، والاستكانة لعظمته.
ثم خرج من ذلك إلى ما يلائمه ويناسبه، فدعا الله بدعوات المخلصين، وابتهل إليه ابتهال الأوابين؛ لأن الطالب من مولاه إذا قدم قبل سؤاله وتضرعه الاعتراف بالنعمة كان ذلك أسرع للإجابة، وأنجح لحصول الطلبة.
ثم أدرج في ضمن دعائه ذكر البعث, ويوم القيامة، ومجازاة الله تعالى من آمن به واتقاه بالجنة ومن ضل عن عباده بالنار، فجمع بين الترغيب في طاعته والترهيب من معصيته.
ثم سأل المشركين عما كانوا يعبدون سؤالا ثانيًا عند معاينة الجزاء، وهو سؤال موبخ لهم مستهزئ بهم، وذكر ما يدفعون إليه عند ذلك من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال، وتمني العودة ليؤمنوا.
فانظر أيها المتأمل إلى هذا الكلام الشريف الآخذ بعضه برقاب بعض، مع احتوائه على ضروب من المعاني, فيخلص من كل واحد منها إلى الآخر بلطيفة ملائمة، حتى كأنه أفرغ في قالب واحد، فخرج عن ذكر الأصنام وتنفير أبيه وقومه من عبادتهم إياها, مع ما هي فيه من التعري عن صفات الإلهية, حيث لا تضر ولا تنفع, ولا تبصر ولا تسمع إلى ذكر الله تعالى فوصفه بصفات الإلهية, فعظم شأنه وعدد نعمه، ليعلم بذلك أن العبادة لا تصح إلا له، ثم خرج من هذا إلى دعائه إياه وخضوعه له، ثم خرج منه إلى ذكر يوم