الأوصاف في شأنها بديعة، فكذلك شوقي في شأنه بديع، غير أنه لحره فصل صيف وهذا فصل ربيع، فأنا أملي أحاديثه العجيبة على النوى، وقد عرفت حديث من قتله الشوق فلا أستغض حديث من قتله الهوى".
ومن هذا الأسلوب ما كتبته في كتاب إلى بعض الإخوان أيضا، وأرسلته إليه من بلاد الروم، وهو كتاب يشتمل على وصف البرد وما لاقيته منه، ثم خرجت من ذلك إلى ذكر الشوق، فقلت: "ومما أشكوه من بردها أن الفرو لا يلبس إلا في شهر ناجر، وهو قائم مقام الظل الذي يتبرد به من لفح الهواجر، ولفرط شدته لم أجد ما يحققه فضلا عما يذهبه، فإن النار المعدة له تطلب من الدفء أيضًا ما أطلبه، لكن وجدت نار أشواقي أشد حرا, فاصطليت بجمرها التي لا تذكى بزناد, ولا تئول إلى رماد، ولا يدفع البرد الوارد على الجسد بأشد من حر الفؤاد، غير أني كنت في ذلك كمن سد خلة بخلة، واستشفى من علة بعلة، وأقتل ما أعلك ما شفاك, فما ظنك بمن يصطلي نار الأشواق، وقد قنع من أخيه بالأوراق فضن عليه بالأوراق".
ومما ينتظم في هذا العقد ما ذكرته في مفتتح كتاب يتضمن عناية ببعض المتظلمين، فاستطردت فيه إلى ذكر المكتوب إليه، وهو: "هدايا المكارم أنفس من هدايا الأموال، وأبقى على تعاقب الأيام والليال، وقد حمل هذا الكتاب منها هدية تورث حمدا وتكسب مجدا، وهي خير ثوابا وخير مردا، ولا يسير بها إلا سجية طبعت على الكرم، وخلقت من عنصر الديم، كسجية مولانا أعلاه الله علوا تفخر به الأرض على السماء، وتحسده شمس النهار ونجوم الظلماء، ولا زالت أياديه مخجلة صوب الغمام، معدية على نوب الأيام، مغنية بشرف فضلها على شرف الأخوال والأعمام، وتلك الهدية هي تجديد الشفاعة في أمر