ومن الحسن المطبوع الذي ليس بمتكلف قول علي رضي الله عنه لعثمان رضي الله عنه:"إن الحق ثقيل مري, والباطل خفيف وبي، وأنت رجل إن صدقت سخطت، وإن كذبت رضيت"، فقابل الحق بالباطل، والثقيل المري بالخفيف الوبي، والصدق بالكذب، والسخط بالرضا، وهذه خمس مقابلات في هذه الكلمات القصار.
وكذلك ورد قوله رضي الله عنه لما قال الخوارج: لا حكم إلا لله تعالى: "هذه كلمة حق أريد بها باطل". وقال الحجاج بن يوسف لسعيد بن جبير رضي الله عنه, وقد أحضره بين يديه ليقتله، فقال له: ما اسمك? قال: سعيد بن جبير، قال: بل أنت شقي بن كسير، وقد كان الحجاج من الفصحاء المعدودين، وفي كلامه هذا مطابقة حسنة، فإنه نقل الاسمين إلى ضدهما، فقال في سعيد: شقي، وفي جبير: كسير.
وهذا النوع من الكلام لم تختص به اللغة العربية دون غيرها من اللغات.
ومما وجدته في لغة الفرس أنه لما مات قباذ أحد ملوكهم قال وزيره:"حركنا بسكونه".
وأول كتاب الفصول لأبقراط في الطب قوله: العمر قصير، والصناعة طويلة. وهذا الكتاب على لغة اليونان.
ومن كلامي في هذا الباب ما كتبته في صدر مكتوب إلى بعض الإخوان، وهو:"صدر هذا الكتاب عن قلب مقيم, وجسد سائر، وصبر مليم, وجزع عذر، وخاطر أدهشته لوعة الفراق فليس بخاطر".
وكذلك كتبت إلى بعض الإخوان أيضا، فقلت: صدر هذا الكتاب عن قلب مأنوس بلقائه, وطرف مستوحش لفراقه، فهذا مروع بكآبة إظلامه، وهذا ممتع ببهجة إشراقه، غير أن لقاء القلوب لقاء عنيت بمثله خواطر