للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأفكار، وتتناجى به من وراء الأستار، وذلك أخو الطيف الملم في المنام، الذي يموه بلقاء الأرواح على لقاء الأجسام".

ومن هذا النوع ما ذكرته في كتاب أصف المسير من دمشق إلى الموصل على طريق المناظر، فقلت في جملته: "ثم نزلت أرض الخابور فغربت الأرواح وشرفت الجسوم، وحصل الإعدام من المسار والإنزال من الهموم، وطالبتني النفس بالعود والقدرة مفلسة، وأويت إلى ظل الآمال والآمال مشمسة".

ومن ذلك ما ذكرته في جملة كتاب إلى بعض الإخوان، وعرضت فيه بذكر جماعة من أهل الأدب، فقلت: "وهم مسئولون ألا ينسوني في نادي فضلهم الذي هو منبع الآمال، وملتقط اللآل, فوجوه ألفاظه مشرقة بأيدي الأقلام المتسودة، وقلوب معانيه مستنبطة بنار الخواطر المتوقدة، والواغل إليه بشكر من خمرته التي تنبه العقول من إغفائها، ولا يشعر بها أحد غير أكفائها".

وهذه الفصول المذكورة لا خفاء بما تضمنته من محاسن المقابلة.

ومما ورد من هذا النوع شعرا قول جرير:

وأعور من نبهان أما نهاره ... فأعمى وأما ليله فبصير١

وكذلك ورد قول الفرزدق:

قبح الإله بني كليب إنهم ... لا يغدرون ولا يفون بجار

يستيقظون إلى نهيق حمارهم ... وتنام أعينهم عن الأوتار٢

فقابل بين الغدر والوفاء، وبين التيقظ والنوم، وفي البيت الأول معنى يسأل عنه.


١ من قصيدته في هجاء أعور نبهان "الديوان ٢٦٤" يريد أنه في النهار أعمى عن الخيرات، وفي الليل يصير بالسيئات.
٢ ديوان الفرزدق ٢/ ٤٤٨ في هجائه لجرير من قصيدة مطلعها:
يابن المراغة إنما جاريتني ... بمسبقين لدى الفعال قصار
وكان بالأصل "بجار".

<<  <  ج: ص:  >  >>