للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما نريد بالتقسيم ههنا ما يقتضيه المعنى مما يمكن وجوده من غير أن يترك منها قسم واحد، وإذا ذكرت قام كل قسم منها بنفسه، ولم يشارك غيره، فتارة يكون التقسيم بلفظة إما, وتارة بلفظة بين, كقولنا: بين كذا وكذا، وتارة بلفظة منهم، كقولنا: منهم كذا ومنهم كذا، وتارة بأن يذكر العدد المراد أولًا بالذكر، ثم يقسم، كقولنا: فانشعب القوم شعبا أربعا، فشعبة ذهبت يمينا, وشعبة ذهبت شمالا وشعبة وقفت بمكانها، وشعبة رجعت إلى ورائها.

فمما جاء من هذا القسم قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} ١.

وهذه قسمة صحيحة، فإنه لا يخلو العباد من هذه الثلاثة, فإما عاص ظالم لنفسه، وإما مطيع مبادر إلى الخيرات، وإما مقتصد بينهما.

ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً، فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} ٢. وهذه الآية منطبقة المعنى على الآية التي قبلها، فأصحاب المشأمة هم الظالمون لأنفسهم، وأصحاب الميمنة هم المقتصدون، والسابقون هم السابقون بالخيرات.

وعلى نحو ذلك جاء قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} ٣. فإن الناس عند رؤية البرق بين خائف وطامع، وليس لنا قسم ثالث.

فإن قيل: إن استيفاء الأقسام ليس شرطا، وترك بعض الأقسام لا يقدح في الكلام، وقد ورد في القرآن الكريم كقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ


١ سورة فاطر ٣٢.
٢ سورة الواقعة ٧-١٠.
٣ سورة الرعد ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>