النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} ١, فذكر أصحاب الجنة دون أصحاب النار, فالجواب عن ذلك أني أقول: هذا لا ينقض علي ما ذكرته، فإن استيفاء الأقسام يلزم فيما استبهم الإجمال فيه، ألا ترى إلى قوله تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ} فإنه حيث قال "فمنهم" لزم استيفاء الأقسام الثلاثة، ولو اقتصر على قسمين منها لم يجز، وأما هذه الآية التي هي {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} فإنه إنما خص أصحاب الجنة بالذكر, للعلم بأن أصحاب النار لا فوز لهم، ولو خص أصحاب النار بالذكر لعلم أيضًا ما لأصحاب الجنة.
وكذلك كل ما يجري هذا المجرى، فإنه إنما ينظر فيه إلى المستبهم وغير المستبهم فاعرفه.
وكان جماعة من أرباب هذه الصناعة يعجبون بقول بعض الأعراب، ويزعمون أن ذلك من أصح التقسيمات، وهو قولهم:"النعم ثلاث: نعمة في حال كونها، ونعمة ترجى مستقبلة، ونعمة تأتي غير محتسبة، فأبقى الله عليك ما أنت فيه، وحقق ظنك فيما ترتجيه، وتفضل عليك بما لم تحتسبه".
وهذا القول فاسد، فإن في أقسام النعم التي قسمها نقصا لا بد منه، وزيادة لا حاجة إليها، فأما النقص فإغفال النعمة الماضية، وأما الزيادة فقوله بعد المستقبلة:"ونعمة تأتي غير محتسبة"؛ لأن النعمة التي تأتي غير محتسبة داخلة في قسم النعمة المستقبلة, وذاك أن النعمة المستقبلة تنقس قسمين: أحدهما يرجى حصوله، والآخر لا يحتسب، فقوله:"ونعمة تأتي غير محتسبة"، يوهم أن هذا القسم غير المستقبل، وهو داخل فيه.