للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما جاء من ذلك نثرا قول بعضهم في ذكر منهزمين: "فمن جريح متضرج بدمائه، وهارب لا يلتفت إلى ورائه"، فإن الجريح قد يكون هاربا، والهارب قد يكون جريحا، ولو قال: فمن بين قتيل ومأسور وناج، لصح له التقسيم, أو لو قال: فمن بين قتيل ومأسور لصح له التقسيم أيضًا, لعدم الناجي بينهما.

وقد أحسن البحتري في هذا المعنى حيث قال:

غادرتهم أيدي المنية صبحا ... بالقنا بين ركع وسجود

فهم فرقتان بين قتيل ... قنصت نفسه بحد الحديد

أو أسير غدا له السجن لحدًا ... فهو حي في حالة الملحود

فرقة للسيوف ينفذ فيها الحكم قصدًا أو فرقة للقيود١.

ومن فساد التقسيم قول أبي تمام:

وموقف بين حكم الذل منقطع ... صاليه أو بحبال الموت متصل٢

فإنه جعل صالي هذا الموقف إما ذليلا عنه أو هالكا فيه، وههنا قسم ثالث، وهو ألا يكون ذليلا ولا هالكا، بل يكون مقدما فيه ناجيا.

وفي هذا نظر على من ادعى فساد تقسيمه، فإن أبا تمام قصد الغلو في وصف هذا الموقف، فقال: إن الناس فيه أحد رجلين: إما ذليل عن مورده، وإما هالك فيه أي: إنه لا ينجو منه أحد يرده.

وهذا تقسيم صحيح لا فساد فيه.


١ ليست بديوانه.
٢ من قصيدته في مدح المعتصم بالله والذي في الديوان "ومشهد بين حكم الذل" الديوان ٣/ ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>