للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ١ فناداه باسم أمه, قلت الجواب عن ذلك من وجهين:

أحدهما أن عيسى عليه السلام لم يكن له أب، فنودي باسم أمه ضرورة، إذ لو كان له أب لنودي باسم أبيه.

الوجه الآخر: أن هذا النداء إنما هو من الأعلى إلى الأدنى، إذ الله سبحانه وتعالى هو الرب، وعيسى عليه السلام عبده، وهذا لا يكون تفريطا؛ لأنه لم يعبر عنه بما هو دون منزلته.

على أن أبا نواس لم يوقعه في هذه العثرة إلا ما سمعه عن جرير في مدح عمر بن عبد العزيز كقوله:

وتبني المجد يا عمر ابن ليلى ... وتكفي الممحل السنة الجمادا٢

وكذلك قال فيه كثير عزة أيضا.

وليس المعيب من هذا بخاف، فإن العرب قد كان يعير بعضها بعضا بنسبته إلى أمه دون أبيه، ألا ترى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقال له: ابن حنتمة، وإنما كان يقول ذلك من يغض منه، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم للزبير ابن صفية: "بشر قاتل ابن صفية بالنار" فإن صفية كانت عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما نسبه إليها رفعا لقدره في قرب نسبه منه، وأنه ابن عمته، وليس هذا كالأول في الغض من عمر رضي الله عنه في نسبه إلى أمه٣.


١ سورة المائدة ١١٦.
٢ من قصيدته التي مطلعها:
أبت عيناك بالحسن الرقادا ... وأنكرت الأصادق والبلادا
"الديوان ١٣٤".
٣ لم يكن النسب إلى الأم تحقيرا، كما توهم ابن الأثير.
فقد كانت له بواعث شتى، منها تكريم الأم المنجبة وتمجيدها، ومنها الفخر بها لعراقتها، منها مدح أبنائها بنسبهم إليها، ومنها أن تكون الأم أعظم شهرة من الأب وعراقة.
وكان في قليل من الأحيان للتحقير "المرأة في الشعر الجاهلي للدكتور أحمد الحوفي ٨٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>