للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حذا حذو البحتري شاعر من شعراء عصرنا فقال في مدح الخليفة الناصر لدين الله أبي العباس أحمد من قصيدة له على قافية الدال، فقال من أبيات يصف بها قصيدته:

أمقبولة يابن الخلائف من فمي ... لديك بوصفي غادة الشعر رؤده١

فقوله: "أمقبولة" من الأدب الحسن الذي نسج فيه على منوال البحتري.

وهذا باب مفرد، وهو باب الاستفهام في الخطاب، وإذا كان الشاعر فطنا عالما بما يضعه من الألفاظ والمعاني تصرف في هذا الباب بضروب التصرفات، واستخرج من ذات نفسه شيئا لم يسبقه إليه أحد.

واعلم أن من المعاني ما يعبر عنه بألفاظ متعددة ويكون المعنى المندرج تحتها واحدا، فمن تلك الألفاظ ما يليق استعماله بالمدح ومنها ما يليق استعماله بالذم، ولو كان هذا الأمر يرجع إلى المعنى فقط لكانت جميع الألفاظ الدالة عليه سواء في الاستعمال، وإنما يرجع في ذلك إلى العرف دون الأصل.

ولنضرب له مثالا فنقول: هل يجوز أن يخاطب الملك فيقال له: وحق دماغك، قياسا على وحق رأسك? وهذا يرجع إلى أدب النفس دون أدب الدرس. فإذا أراد مؤلف الكلام أن يمدح ذكر الرأس والهامة والكاهل، وما جرى هذا المجرى، فإذا أراد أن يهجو ذكر الدماغ والقفا والقذال٢، وما جرى هذا المجرى، وإن كانت معاني الجميع متقاربة، ومن أجل ذلك حسنت الكناية في الموضع الذي يقبح فيه التصريح.


١ الرؤد والرأد والرئد: الشابة الحسنة. المعنى هل تقبل في مدحي لك غادة من شعري.
٢ القذال: مجتمع مؤخر الرأس.

<<  <  ج: ص:  >  >>