للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قف العيس في أطلال مية فاسأل ... رسوما كأخلاق الرداء المسلسل١

هذا كلام الغانمي بعينه, والبابان المذكوران سواء، لا فرق بينهما بحال.

والدليل على ذلك أن بيت امرئ القيس يتم معناه قبل أن يؤتى بقافيته، وكذلك بيت ذي الرمة، ألا ترى أن امرأ القيس لما قال:

كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع...................

أتى بالتشبيه أيضًا قبل أن يأتي بالقافية، ولما احتاج إليها جاء بزيادة حسنة وهي قوله: "لم يثقب".

وهكذا ذو الرمة، فإنه لما قال:

قف العيس في أطلال مية فاسأل ... رسوما كأخلاق الرداء.........

أتى بالتشبيه أيضًا قبل أن يأتي بالقافية، ولما احتاج إليها جاء بزيادة حسنة وهي قوله: "المسلسل".

واعلم أن أبا هلال العسكري قد سمى هذين القسمين بعينهما الإيغال٢، وقال: هو أن يستوفي الشاعر معنى الكلام قبل البلوغ إلى مقطعه، ثم يأتي بالمقطع


١ ديوان ذي الرمة ٧٢ العيس: النوق البيض. أخلاق الرداء: الرداء الذي صار خلقا وقطعا.
٢ "الصناعتين ٣٨٠" هو أن يستوفي معنى الكلام قبل البلوغ إلى مقطعه، ثم يأتي بالمقطع فيزيد معنى آخر زيد به وضوحا وشرحا وتوكيدا وحسنا. وأصل الكلمة من قولهم وغل في الأمر إذا أبعد الذهاب فيه.
وقد وهم ابن الأثير هنا أيضا في نسبة هذا الفن "الإيغال" إلى أبي هلال العسكري. والحقيقة أن هذا الفن من مستخرجات قدامة، وهو واضع لقبه، وجعله من أنواع ائتلاف القافية مع سائر معنى البيت، وروى قدامة أن محمد بن يزيد النحوي قال: حدثني التوزي قال: قلت للأصمعي: من أشعر الناس؟ فقال: من يأتي إلى المعنى الخسيس فيجعله بلفظه كبيرا، أو إلى الكبير فجعله خسيسا، أو ينقضي كلامه قبل القافية، فإذا احتاج إليها أفاد بها معنى. قال: قلت نحو من؟ قال: نحو ذو الرمة، وأورد البيت المذكور هنا. ثم قال: فتم كلامه قبل "المسلسل" ثم قال "المسلسل" فزاد شيئا. ثم قال ذو الرمة.
أظن الذي يجدى عليك سؤالها ... دموعا كتبديد الجمان المفصل
فتم كلامه ثم احتاج إلى القافية فقال "المفصل" فزاد شيئا.

<<  <  ج: ص:  >  >>