للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيزيد فيه معنى آخر، وأصل الإيغال من أوغل في الأمر، إذا أبعد الذهاب فيه، ثم مثل أبو هلال ذلك بقول ذي الرمة:

قف العيس في أطلال مية فاسأل

وهذا البيت أقرب أمدا من الغانمي؛ لأنه ذكره في باب واحد، وسماه باسم واحد، ولم يذكره في باب آخر كما فعل الغانمي.

وليس الأخذ على الغانمي في ذلك مناقشة على الأسماء، وإنما المناقشة على أن ينتصب لإيراد علم البيان وتفصيل أبوابه، ويكون أحد الأبواب التي ذكرها داخلا في الآخر فيذهب عنه ويخفى عليه١، وهو أشهر من فلق الصباح.

وههنا ما هو أغرب من ذاك، وذلك أنه قد سلك قوم في منثور الكلام ومنظومه طرقا خارجة عن موضوع علم البيان، وهي بنجوة عنه؛ لأنها في واد وعلم البيان في واد.

فممن فعل ذلك الحريري صاحب المقامات، فإنه ذكر تلك الرسالة٢ التي هي


١ في الأصل "فيذهب عليه ويخفى عنه" فرجعنا هذا التصويب.
٢ في المقامة الحلبية "السادسة والأربعون" عشر مقطعات من الأبيات في كل مقطعة تلاعب لفظي. فمن ذلك الأخياف أي: كلمة مهملة وأخرى معجمة مثل قوله:
اسمح فبث السماح زين ... ولا تخب آملا تضيف
ولا تظن الدهور تبقى ... مال ضنين ولو تقشف
ومن ذلك العواطل أي: الخالية من الحروف المعجمة، مثل:
أعدد لحسادك حد السلاح ... وأورد الآمل ورد السماح
ومن ذلك العرائس أي: المعجمة كلها مثل:
شغفتني يجفن ظبي غضيض ... غنج يقتضي تغيض جفني
إلخ
وفي المقامة السمرقندية "الثامنة والعشرون" خطبة مهملة الحروف مثل قوله:
أحمده حمد موحد مسلم، وأدعوه دعاء مؤمل مسلم، وهو الله لا إله إلا هو الواحد الأحد، العادل الصمد، لا والد له ولا ولد، ولا درء معه ولا مساعد، أرسل محمدا للإسلام ممهدا، وللملة موطدا.
وفي المقامة الرقطاء "السادسة والعشرون" رسالة مكونة من كلمات حرف مهمل وتاليه معجم، مثل:
أخلاق سيدنا تحب، وبعقوته يلب، وقربه تحف، ونأبه تلف، وخلته نسب، وقطيعته نصب، وغربه ذلق، وشهبه تأتلق إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>