وهذا من المعاني البديعة، وما كان ينبغي لأبي الطيب أن يأتي في مثل هذا الموضع بلفظة "فذلك" التي هي من ألفاظ الحساب، بل كان يترك هذا المعنى الشريف الذي لا يتم إلا بتلك اللفظة موافقة لابن سنان فيما رآه وذهب إليه، وهذا محض الخطأ وعين الغلط.
وأما ما أنكره على أبي تمام في قوله:
مودة ذهب أثمارها شبه ... وهمة جوهر معروفها عرض
فإن هذا البيت ليس منكرا لما استعمل فيه من لفظتي الجوهر والعرض اللتين هما من خصائص ألفاظ المتكلمين، بل لأنه في نفسه ركيك، لتضمنه لفظة "الشبه" فإنها لفظة عامية ركيكة، وهي التي أسخفت بالبيت بجملته، ورب قليل أفسد كثيرا، وأما لفظتا الجوهر والعرض فلا عيب فيهما، ولا ركاكة عليهما.
وأما البيت الآخر، وهو:
خرقاء يلعب بالعقول حبابها ... كتلعب الأفعال بالأسماء
فليس بمنكر، وهل يشك في أن التشبيه الذي تضمنه واقع في موقعه? ألا ترى أن الفعل ينقل الاسم من حال إلى حال، وكذلك تفعل الخمر بالعقول في تنقل حالاتها، فما الذي أنكره ابن سنان من ذلك?
وقد جاء لبعض المتأخرين من هذا الأسلوب ما لا يدافع في حسنه، وهو قوله:
عوامل رزق أعربت لغة الردى ... فجسم له خفض ورأس له نصب
فإنه لما حصل له المشابهة في الاسمية بين عوامل الرماح والعوامل النحوية حسن موقع ما ذكره من الخفض والنصب، وعلى ما ذكره ابن سنان فإن ذلك غير جائز، وهو من مستحسنات المعاني، هذا من أعجب الأشياء.