للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا مسلم إليه، ولكنه شذ عنه أن صناعة المنظوم والمنثور مستمدة من كل علم وكل صناعة؛ لأنها موضوعة على الخوض في كل معنى، وهذا لا ضابط له يضبطه، ولا حاصر يحصره، فإذا أخذ مؤلف الشعر أو الكلام المنثور في صوغ معنى من المعاني وأداه ذلك إلى استعمال معنى فقهي أو نحوي أو حسابي أو غير ذلك فليس له أن يتركه ويحيد عنه؛ لأنه من مقتضيات هذا المعنى الذي قصده.

ألا ترى إلى قول أبي تمام في الاعتذار:

فإن يك جرم عن أو تك هفوة ... على خطأ مني فعذري على عمد١

فإن هذا من أحسن ما يجيء في باب الاعتذار عن الذنب، وكان ينبغي له على ما ذكره ابن سنان أن يترك ذلك ولا يستعمله، حيث فيه لفظتا "الخطأ" و"العمد" اللتان هما من أخص ألفاظ الفقهاء.

وكذلك قول أبي الطيب المتنبي:

ولقيت كل الفاضلين كأنما ... رد الإله نفوسهم والأعصرا

نسقوا لنا نسق الحساب مقدما ... وأتى فذلك إذ أتيت مؤخرا٢


١ الديوان ٢/ ١١٧ من مدحه لأبي المغيث الرافقي واعتذاره له.
٢ من قصيدته في مدح أبي الفضل محمد بن العميد، التي مطلعها:
باد هودك صبرت أم لم تصبرا ... وبكاك إن لم يجر دمعك أو جرى
وقوله لقيت كل الفاضلين، معطوف على كلام سابق يتحدث فيه عن تمثل فلاسفة وعلماء وعظماء وكرماء في شخص ابن العميد "الديوان ٢/ ٣١٦" نسقوا: سردوا. فذلك: حكاية قول الحاسب إذا أجمل حسابه، فهي فاعل أتى أي أن هؤلاء الفاضلين تتابعوا متقدمين عليك في أزمانك، فلما أتيت بعدهم جمعت ما كان فيهم من فصائل، فكنت بمثابة إجمال الحساب الذي تذكر تفاصيله أولا، ثم تجمل فيكتب في آخرها فذلك كذا وكذا.
"الديوان ٢/ ٣١٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>