للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورأيت أبا محمد عبد الله بن سنان الخفاجي قد ذكر بابا من الأبواب في كتابه١ فقال: ينبغي ألا تستعمل في الكلام المنظوم والمنثور ألفاظ المتكلمين والنحويين والمهندسين ومعانيهم، ولا الألفاظ التي تختص بها بعض المهن والعلوم؛ لأن الإنسان إذا خاض في علم وتكلم في صناعة وجب عليه أن يستعمل ألفاظ أهل ذلك العلم وأصحاب تلك الصناعة٢، ثم مثل ذلك بقول أبي تمام:

مودة ذهب أثمارها شبه ... وهمة جوهر معروفها عرض٣

وبقوله أيضا:

خرقاء يلعب بالعقول حبابها ... كتلعب الأفعال بالأسماء٤

وهذا الذي أنكره ابن سنان هو عين المعروف في هذه الصناعة:

إن الذي تكرهون منه ... هو الذي يشتهيه قلبي

وسأبين فساد ما ذهب إليه، فأقول: أما قوله إنه يجب على الإنسان إذا خاض في علم أو تكلم في صناعة أن يستعمل ألفاظ أهل ذلك العلم وأصحاب تلك الصناعة,


١ سر الفصاحة: ١٥٩.
٢ تكملة كلام الخفاجى: وبهذا شرف كلام أبي عثمان الجاحظ، وذلك أنه إذا كاتب لم يعدل عن ألفاظ الكتاب، وإذا صنف في الكلام لم يخرج عن عبارات المتكلمين، فكأنه في كل يخوض فيه لا يعرف سواه، ولا يحسن غيره "١٥٩".
٣ من قصيدته في عتاب عياش بن لهيعة التي مطلعها:
ذل السؤال شجا في الحلق معترض ... من دونه شرق من تحته جرض
الديوان ٤٠٠ طبعة محمد جمال.
الجوهر والعرض من اصطلاحات علماء الكلام. الجرض: الغصة.
٤ الديوان ١/ ٣٣ من قصيدته في مدح محمد بن حسان الضبي، وهذا البيت من خمرياته فيها، خرقاء: وصف الخمر بالخرق وهو في الأصل العجز عن إحسان العقل، يقال للمرأة خرقاء، أي أن الخمر لا تحسن أن تعمل شيئا لكنها تلعب بالعقول، ويغيرها من حال إلى حال، كما تعمل الأفعال بالأسماء، فترفعها تارة وتنصبها تارة. الحباب: طرائق الماء فيها إذا مزجت.

<<  <  ج: ص:  >  >>