للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلفاء في حجة حجها، وذلك بيت من جملة أبيات خمسة:

يا من رأى حرما يسري إلى حرم ... طوبى لمستلم يأتي وملتزم١

ثم قلت في نفسي: يالله العجب! ليس أبو تمام وأبو الطيب من الشعراء الذين درست أشعارهم، ولا هما ممن لم يعرف ولا اشتهر أمره، بل هما كما يقال: أشهر من الشمس والقمر، وشعرهما دائر في أيدي الناس، بخلاف غيرهما، فكيف خفي على أهل مصر ودمشق بيتا ابن الخياط وعمارة المأخوذان من شعرهما? وعلمت حينئذ أن سبب ذلك عدم الحفظ للأشعار، والاقتناع بالنظر في دواوينها.

ولما نصبت نفسي للخوض في علم البيان ورمت أن أكون معدودا من علمائه علمت أن هذه الدرجة لا تنال إلا بنقل ما في الكتب إلى الصدور, والاكتفاء بالمحفوظ عن المسطور:

ليس بعلم ما حوى القمطر ... ما العلم إلا ما حواه الصدر

ولقد وقفت من الشعر على كل ديوان ومجموع، وأنفذت شطرا من العمر في المحفوظ منه والمسموع، فألفيته بحرا لا يوقف على ساحله، وكيف ينتهى إلى إحصاء قول لم تحص أسماء قائله؟ فعند ذلك اقتصرت منه على ما تكثر فوائده، وتتشعب مقاصده، ولم أكن ممن أخذ بالتقليد والتسليم في اتباع من قصر نظره على الشعر القديم، إذ المراد من الشعر إنما هو إيداع المعنى الشريف، في اللفظ الجزل واللطيف، فمتى وجدت ذلك فكل مكان خيمت فهو بابل.


١ ليس البيت بديوانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>