للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبو تمام جعل الموت في الحرب الذي هو غاية اجتهاد المجتهد في لقاء العدو قائما مقام الانتصار، وكلا المعنيين واحد, غير أن اللفظ مختلف.

وهذا الضرب في سرقات المعاني من أشكلها، وأدقها وأغربها، وأبعدها مذهبا، ولا يتفطن له ويستخرجه من الأشعار إلا بعض الخواطر دون بعض. وقد يجيء منه ما هو ظاهر لا يبلغ في الدقة مبلغ هذه الأبيات المشار إليها، كقول ابن المقفع في باب الرثاء من كتاب الحماسة:

فقد جر نفعا فقدنا لك أننا ... أمنا على كل الرزايا من الجزع١

وجاء بعده من أخذ هذا المعنى فقال:

وقد عزى ربيعة أن يوما ... عليها مثل يومك لا يعود

وهذا من البديع النادر.

وههنا ما هو أشد ظهورا من هذين البيتين في هذا الضرب من السرقات الشعرية، وذلك يأتي في الألفاظ المترادفة التي يقوم بعضها مقام بعض، وذاك لا اعتداد به لمكان وضوحه.


١ من رثاء عبد الله بن المقفع ليحيى بن زياد أو لابن أبي العوجاء عبد الكريم شرح الحماسة للمرزوقي ٢/ ٨٦٣ والتبريزي.
وابن المقفع هو أبو محمد عبد الله بن المقفع أحد البلغاء الأولين والمترجمين السابقين، وهو من سلالة فارسية. كان أبو المقفع مجوسيا، وسبب تلقيبه بالمقفع أنه كان يعمل في جباية الخراج لولاة العراق زمن بني أمية فخان في بعض المال فضربه الوالي حتى تقفعت يده أي: تشجت. ولد ابن المقفع حوالي ١٠٦هـ وسماه أبوه روزبة، ونشأ بالبصرة، وتعلم على علماء عصره وعلى أبيه، وأجاد العربية والفارسية، ثم كتب لولاة من بني أمية ومن بني العباس، وترجم كثيرا من كتب الفرس إلى العربية وقتل سنة ١٤٢هـ لضغينة سياسية ولاتهامه بالزندقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>