للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذهب قوم إلى منع المفاضلة بين المعنيين المختلفين، واحتجوا على ذلك بأن قالوا: المفاضلة بين الكلامين لا تكون إلا باشتراكهما في المعنى، فإن اعتبار التأليف في نظم الألفاظ لا يكون إلا باعتبار المعاني المندرجة تحتها، فما لم يكن بين الكلامين اشتراك في المعنى فإنه لايعلم مواقع النظم في قوة ذلك المعنى أو ضعفه، أو اتساق ذلك اللفظ أو اضطرابه، وإلا فكل كلام له تأليف يخصه بحسب المعنى المندرج تحته، وهذا مثل قولنا: العسل أحلى من الخل، فإنه ليس في الخل حلاوة حتى تقاس حلاوة العسل عليها.

وهذا القول فاسد، فإنه لو كان ما ذهب إليه هؤلاء من منع المفاضلة حقا لوجب أن تسقط التفرقة بين جيد الكلام ورديئه وحسنه وقبيحه، وهذا محال.

وإنما خفي عليهم ذلك؛ لأنهم لم ينظروا إلى الأصل الذي تقع المفاضلة فيه، سواء اتفقت المعاني أو اختلفت ومن هنا وقع لهم الغلط.

وسأبين ذلك فأقول: من المعلوم أن الكلام لا يختص بمزية من الحسن حتى تتصف ألفاظه ومعانيه بوصفين هما الفصاحة والبلاغة، فثبت بهذا أن النظر إنما هو في هذين الوصفين اللذين هما الأصل في المفاضلة بين الألفاظ والمعاني على اتفاقهما واختلافهما فمتى وجدا في أحد الكلامين دون الآخر أو كانا أخص به من الآخر حكم له بالفضل.

وقرأت في كتاب الأغاني لأبي الفرج في تفضيل الشعر أشياء تتضمن خبطا كثيرا، وهو مروي عن علماء العربية لكن عذرتهم في ذلك، فإن معرفة الفصاحة والبلاغة شيء خلاف معرفة النحو والإعراب.

<<  <  ج: ص:  >  >>