للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول أبي الطيب المتنبي:

يرى أن ما بان منك لضارب ... بأقتل مما بان منك لعائب١

فهو وإن لم يشوه المعنى فقد شوه الصورة، ومثاله في ذلك كمن أودع الوشي شملا، وأعطى الورد جعلا٢، وهذا من أرذل السرقات. وعلى نحو منه جاء قول عبد السلام بن رغبان:

نحن نعزيك ومنك الهدى ... مستخرج والصبر مستقبل

نقول بالعقل وأنت الذي ... نأوي إليه وبه نعقل

إذا عفا عنك وأودى بنا الد ... هر فذاك المحسن المجمل٣

أخذه أبو الطيب فقلب أعلاه أسفله، فقال:

إن يكن صبر ذي الرزية فضلا ... تكن الأفضل الأعز الآجلا

أنت يا فوق أن تعزى عن الأحـ ... ـباب فوق الذي يعزيك عقلا

وبألفاظك اهتدى فإذا عزا ... ك قال الذي له قلت قبلا٤

والبيت الأخير من هذه الأبيات هو الآخر قدرا، وهو المخصوص بالمسخ.

وأما قلب الصورة القبيحة إلى صورة حسنة فهذا لا يسمى سرقة، بل يسمى إصلاحا وتهذيبا.


١ من قصيدته في مدح أبي القاسم طاهر بن الحسين مطلعها:
أعيدوا صباحي فهو عند الكواعب ... وردوا رقادي فهو لحظ الحبائب
"الديوان ١/ ١٨٣".
المعنى أنك ترى أن الذي ظهر من الإنسان لضاربه بالسيف كالعنق ليس بأقتل مما ظهر للعائب، فالعيب أشد من القتل.
٢ الشمل: الشمال على وزن كتاب شيء مثل المخلاة يغطي به ضرع الشاة إذا ثقلت أو خاص بالعنز، والجمع شمل. الجعل: دويبة تشبه الخنفساء.
٣ الأغاني ١٢/ ١٤٢ من قصيدته في تعزية جعفر بن علي الهاشمي. وقبل البيت الأخير:
نحن فدى لك من أمة ... والأرض والآخر والأول
٤ من قصيدته في تعزية سيف الدولة في أخته الصغرى وتسليته عن أخته الكبرى مطلعها:=

<<  <  ج: ص:  >  >>