فهذه وجهة من رجحوا الرفع. وعلى كل؛ ففي هذا الحديث وجهان للاجتهاد, فمن رجح وقفه فله وجه, ومن رجح رفعه فله وجه، والله تعالى أعلم. هذا، ومما يشهد للحديث من ناحية المعنى قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} . بل, وقد حلت اللعنة على بني إسرائيل لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: ٧٨, ٧٩] . ومعنى الآية -والعلم عند الله تعالى- أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به -ومما كلفوا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- فلا عليكم من ضلال غيركم. وقد قال تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: ٣٨] ، وقد قال سبحانه لنبيه, صلى الله عليه وسلم: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} . وليراجع البحث القيم الذي ذكره الشيخ محمد الأمين في "أضواء البيان" "ج٢ ص١٥١" وبما بعدها عند تفسير هذه الآية من سورة المائدة, ويراجع أيضا "ج٢٨" من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية, رحمه الله. قوله: "إذا رأوا الظالم" في بعض الروايات: "المنكر", وهما متلازمان. قوله: "فلم يغيروه" أي: وهم قادرون، لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} . وقد جاء في معنى الحديث قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} . ومن حديث النعمان بن بشير عند البخاري والترمذي, ففي البخاري في كتاب الشركة, باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه؟ "فتح" "ج٥ ص١٣٢": حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكريا، قال: سمعت عامرا يقول: قال النعمان بن بشير عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- أنه قال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة, فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها, فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم, فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا, فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا, وإن أخذوا على أيديهم نجوا, ونجوا جميعا".