للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

..........................................................................................


= فأنزل الله عز وجل: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} .
الأمر الثاني: النهي عن التصدق بالمال كله, وأدلة القائلين بهذا الرأي منها:
١- حديث أبي هريرة مرفوعا في "صحيح البخاري" وغيره: "خير الصدقة ما كان عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تعول"، ومعناه كما قال الحافظ في "الفتح" "٣/ ٢٩٦": أفضل الصدقة ما وقع من غير محتاج إلى ما يتصدق به لنفسه, أو لمن تلزمه نفقته. قال الخطابي: لفظ الظهر يرد في مثل هذا إشباعا للكلام. والمعنى: أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله بعد أن يستبقي منه قدر الحاجة، ولذلك قال بعده: "وابدأ بمن تعول".
٢- حديث كعب بن مالك في "صحيح البخاري" وغيره. "قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله. قال: "أمسك عليك بعض مالك, فهو خير لك". قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر".
٣- حديث سعد بن أبي وقاص في البخاري "فتح" "٥/ ٣٦٣"، وفيه: "قلت: يا رسول الله؛ أوصي بمالي كله؟ قال: "لا". قلت: فالشطر؟ قال: "لا". قلت: الثلث؟ قال: "فالثلث والثلث كثير؛ إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ الناس في أيديهم، وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك، وعسى الله أن يرفعك فينتفع بك ناس ويضر بك آخرون" ولم يكن له يومئذ إلا ابنه".
٤- قول الله عز وجل: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا} [الأنعام] .
٥- قول الله تبارك وتعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء] .
أما بالنسبة لفقه الأحاديث والجمع بينها:
قال الحافظ في "فتح الباري" "٣/ ٢٩٥": قال الطبري وغيره: قال الجمهور: من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله حيث لا دين عليه, وكان صبورا على الإضافة ولا عيال له، أو له عيال يصبرون أيضا فهو جائز.
قال الطبري: والصواب عندنا: الأول من حيث الجواز. يقصد بالأول: قول الجمهور, والمختار من حديث الاستحباب أن يجعل ذلك من الثلث؛ جمعا بين قصة أبي بكر وحديث كعب بن مالك، والله أعلم.
قلت: وللبخاري فقه في المسألة يظهر من ترجمته؛ حيث قال "فتح" "١/ ٢٩٤" باب: لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومن تصدق وهو محتاج أو أهله محتاج أو عليه دين فالدين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة، وهو رد عليه، ليس له أن يتلف أموال الناس، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: "من أخذ أموال الناس يريد إتلافها, أتلفه الله"، إلا أن يكون معروفا بالصبر فيؤثر على =

<<  <  ج: ص:  >  >>