ولا شك أن الانتقال من تناسب أجزاء الحلقة إلى تناسبهم في الشرف، غاية في الدقة؛ لأن العامة يتبادر إلى ذهنهم تناسبهم في الصورة مثلًا، أو في الشكل، ولا يدرك التناسب الكلي إلا الخاصة، ولذا احتاج التشبيه إلى وصف المشبه به بهذا الوصف الذي أومأ إلى وجه الشبه، ودلَّ على أنه التناسب الكلي الخالي من التفاوت، ومن ذلك قول شاعر آخر:
وإنا وما تلقى لنا إن هجوتنا ... لكالبحر مهما تلقى في البحر يغرق
فوجه الشبه هو عدم ظهور الأثر في كل منهما، يريد أن هجاءه لهم لا يؤثر فيهم لأصالتهم في الشرف، وعراقتهم في المجد، كما لا يؤثر في البحر ما يُلقى فيه من أوساخ وأقذار.
وقد أومأت الجملة الحالية وهي "مهما تلقى في البحر يغرق"، والتي وقعت وصفًا للمشبه به البحر، أومأت إلى وجه الشبه، ودلت عليه، ومن ذلك أيضًا قول النابغة:
فإنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
حيث شبه الممدوح والملوك بالشمس والكواكب، وجملة "إذا طلعت لم يبد منهن كوكب" وقعت وصفًا للمشبهين بهما، فأنبأت عن وجه الشبه المحذوف، ودلت عليه، وهو القوة الكبرى التي تستر ما عداها؛ فالشاعر إذن يريد أن عزة الممدوح، وسلطانه، وفضائله تُخفي ما لسائر الملوك من قوة، وعزة، ومكارم، كما تخفي الشمس إذا طلعت أضواء الكواكب؛ ففي كل ما سبق نلحظ أن وجه الشبه المحذوف قد دلَّ عليه صفة المشبه به، التي فُهمت من خلال السياق. قد يكون الدَّالُّ على وجه الشبه المحذوف وصفًا للمشبه والمشبه به معًا، كما جاء مثلًا في قول أبي تمام: