فهو هنا مثل حالهم في عدم فهمهم لشعره، واستشعارهم لمعناه بحال المريض الذي لا يستسيغ الماء الزلال؛ لمرارة يحس بها في حلقه، مع فساد الذوق المفضي إلى قلب ما هو مستساغ إلى خلاف ذلك، ومن الاستعارات التمثيلية أيضًا قول بعضهم:
ومن يجعل الضرغام للصيد بازه ... تصيَّده الضرغام فيما تصيد
وقول الآخر يمثل حال من يضيع الأموال التي ورثها؛ لأنها آلت إليه بلا تعب:
ومن ملك البلاد بغير حرب ... يهون عليه تسليم البلاد
ومنها قول ابن ميادة يمثل حال إكرام الممدوح له وحال إهانته إياه:
ألم أكُ في يمنى يديك جعلتني ... فلا تجعلني بعدك في شمالك
وقول الآخر يمثل حال الرجل الذي لا يقول إلا حقًّا، ولا يخبر إلا بالصدق:
إذا قالت حزام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حزام
ومنها قول الشماخ يمثل حال عرابة في حرصه على المجد واعتزازه به، وإقدامه عليه، وسموه إليه، واقتداره على نيله:
رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرينة
إذا ما راية رُفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين
ولا يخفى عليك أن الشبه مأخوذ من مجموع التلقي واليمين على حد قولهم "تلقيته بكلتا اليدين" كل هذه أمثلة للتشبيه المركب الذي يدخل تحت الاستعارة التمثيلية، ومن شديد ما يؤسف له أن البلاغيين أدخلوا في هذا مثل قوله تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}(الزمر: ٦٧)، وقالوا: إن هذه الآية الكريمة مثلت حال