والأولى حمل الآية على الاستعارة المكنية مثل ذلك أيضًا قوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}(ق: ٣٧)، فإننا نجد أن المقام يقتضي حمل الآية على الاستعارة التمثيلية؛ إذ المراد الحثُّ على النظر والتقريع على تركه، وقد ذكر بعض المفسرين أن المراد بالقلب العقل، ولكن البلاغيين لم يرتضوا هذا التفسير، وإن كان المرجع عند التحصيل إليه، وذلك لإخلاله بالمراد، وبيَّنوا أن الكلام مبني على تخييل أن من لم ينتفع بقلبه، فلا ينظر، ولا يعي، يكون بمنزلة من عدم قلبه جملة. وهذا يتفق مع ما تريده الآية من الحثِّ على النظر والتقريع على تركه.
من ذلك أيضًا قوله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}(آل عمران: ١٠٣) حيث مثَّلت حال التمسك بدين الله، وعادي بحال المعتمد على حبل قوي يمنعه من السقوط، ومما جاء من الاستعارة التمثيلية في الحديث النبوي قوله -صلى الله عليه وسلم- ((إن أحدكم إذا تصدق بالتمرة من الطيب، ولا يقبل الله إلا الطيب؛ جعل الله ذلك في كفه فيربيها، كما يربي أحدكم فلوَّه))، فقد مثَّل الحديث حال الصدقة القليلة من الكسب الطيب عند الله -جل وعلا- في محبته لها، ورضاه عنها بالشيء المحبوب يوضع في اليد؛ اعتزازًا به وحرصًا عليه، ومن الاستعارة التمثيلية الأمثال السائرة الواردة عن العرب، فيستعار موردها لمضربها.
ومعلوم أن الأمثال لا تتغير، فيستعار موردها الذي قيلت فيه لمضربها الذي تضرب فيه بلا تغيير، ولا تبديل، من ذلك مثلًا قولهم "أحشفًا وسوء كيلة": يُضرب لمن يُظلم من جهتين، وأصل مورده أن رجلًا اشترى من آخر تمرًا، فوجده رديئًا وناقص الكيل، فقال: أحشفًا وسوء كيلة، فصار يضرب لمن ظلم من جهتين، هذه استعارة تمثيلية.