من أمثالهم في ذلك أيضًا قولهم "رمى عصفورين بحجر" يُضرب لمن يحتال فيدرك أمرين بتدبير واحد، ومنها "الصيف ضيعت اللبن" ويضرب لمن يطلب أمرًا بعد فوات الأوان، ومنها "وعند جهينة الخبر اليقين" ويُضرب لمن يعرف الشيء على حقيقته ووجهه، ومنها "أنك لا تجني من الشوك العنب" ويُضرب لمن يفعل الشر وينتظر مجازاته عيه بالخير، ومنها "قطعت جهيزة قول كل خطيب" يضرب لمن يأتي بالقول الفصل في مواضع النزاع، هذه التمثيلات المركبة -كما قلنا- إنما جاءت العلاقة فيها علاقة مشابهة، فهي إذن استعارة.
وهناك الضرب الثاني من ضربي المجاز المركب، وهو المجاز المركب المرسل: فهو اللفظ المركب المستعمل في غير ما وُضع له؛ لعلاقة غير المشابهة مع قرينة مانعة، من ذلك مثلًا قوله تعالى:{رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى}(آل عمران: ٣٦) فالله يعلم ما وضعت، وامرأة عمران تعرف أنه تعالى لا يخفى عليه شيء، فهي لم تُرد الإخبار بما وضعت، وإنما أرادت أن تُبدي حزنها وتحسرها؛ لعدم مجيئه ذكرًا، حيث كانت قد وهبته ونذرته لخدمة بيت الله، فهو إذن مجاز علاقته اللزومية؛ إذ يلزم من إخبارها بوضع الأنثى أنها حزينة متحسرة.
من ذلك قوله تعالى:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}(يوسف: ١٠١) فقد أراد يوسف -عليه السلام- إظهار الغبطة والسرور، فهو مجاز مركب علاقته اللزومية أيضًا؛ إذ يلزم من إخباره بأن الله قد آتاه من الملك وعلمه من تأويل الأحاديث، إبداء سروره، وإظهار غبطته، والقرينة أن الله -عز وجل- عليم بذات الصدور، ويوسف يعرف أنه تعالى في غنًى عن إخباره، ولا تخفى عليه خفية.