شيعوا الشمس ومالوا بضحاها ... وانحنى الشرق عليها فبكاها
جلل الصبح سوادًا يومها ... فكأن الأرض لم تخلع دجاها
فماذا يقصد شوقي بالشمس المشيعة هنا؟ إن من ينظر إلى قرينة الرثاء يُدرك أن الشمس مرادًا بها هنا سعد زغلول، زعيم مصر في عهده، وبهذا يكون المتلقي قد استدعى الطرف الأول وهو المشبه الذي هو سعد زغلول، وصار في يديه الطرفان: الطرف المستدعى وهو المشبه، والطرف المصرح به وهو المشبه به، وهنا يُدرك كيف صهر خيال أمير الشعراء الطرفين فيتراءى له الخيال وهو يتناسى التشبيه. ويدخل سعد في أفراد الشمس، ويجعل الشمس مرادًا بها ذلك المرثي، وموجز التحليل على هذا النسق نقول فيه:
أولًا: شبه الشاعر سعدا بالشمس بجامع قوة النفع، وشدة الحاجة في كل منهما.
ثانيًا: تنوسي التشبيه وادعي أن سعدًا من أفراد الشمس.
ثالثًا: استعيرت الشمس على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية، والمستعار كما لا يخفى اسم جنس جامد، ومن هذا النوع الثاني قول حافظ إبراهيم يحيي شباب مصر:
أهلا بنابتة البلاد ومرحبًا ... جددتم العهد الذي قد أخلق
لا تيأسوا أن تستردوا مجدكم ... فلرب مغلوب هوى ثم ارتقى
فماذا يقصد بنابتة البلاد، لا بد أنه يقصد الناشئة من أبناء مصر بقرينة التأهيل والترحيب، فبهذه القرينة استدعينا المعنى الذي يرمي إليه حافظ، وهذا المعنى هو الطرف الأول، وهو المشبه. والطرف الثاني هو المصرح به في النص وهو نابتة البلاد المشبه به، وقد صهر الشاعر الطرف الأول والثاني؛ حيث تناسى التشبيه،