-عز وجل- {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}(الأنفال: ٤٩)، ويقال في كل ما سبق في إجراء الاستعارة ما قيل في سابقتها، ولكن لماذا سميت هذه الاستعارة بالاستعارة الأصلية؟ الجواب: أنها أكثر وجودًا في الكلام من التبعية، ولأن التبعية مبنية عليها، وتابعة لها، فهي لها أصل، كما هو واضح ومعروف، ومن ذلك بالإضافة لما سبق قول الشاعر:
فتًى كلما فاضت عيون قبيلة ... دمًا ضحكت عنه الأحاديث والذكر
استعار الدم، وهو اسم جنس للدموع التي تفيض من العيون، وتُفيد هذه الاستعارة فداحة الخطب وشدة ما حلَّ بالقبيلة، فقد فاضت عيونها دماء لا دموعًا من هول الموقف، وهذا بالتالي ينبئ بعظم الممدوح الذي يبدد تلك الأحوال ويغيرها بكرمه وشجاعته إلى أمن وسرور. من ذلك أيضًا قول كثير عزة:
رمتني بسهم ريشه الكحل لم يضر ... ظواهر جلد وهو للقلب جارح
حيث شبه النظرة الثاقبة التي رمته بها فتاته بالسهم النافذ، وهو اسم جنس بجامع قوة التأثير في كلٍّ، ثم حذف المشبه، وادعي أنه فرد من أفراد المشبه به، فاستعير له لفظه على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية.
النوع الثاني من الاستعارة التصريحية: الاستعارة التبعية، وهي ما كان اللفظ المستعار فيها فعلًا أو اسمًا مشتقًّا أو حرفًا، فمن استعارة الفعل قولنا مثلًا: نطقت الحال بكذا، وطار فلان إلى المعركة، ونام عقل فلان، فالمراد دلت الحال، وأسرع فلان، وغفل عقله، وتوقف عن الفهم، فاللفظ المستعار هنا فعل، وتقرير الاستعارة فيه أن يقال: شبهت الدلالة الواضحة