بالنطق في إيضاح المعنى، ثم استعير النطق للدلالة الواضحة، فصار النطق بالاستعارة معناه الدلالة الواضحة، ثم اشتق من النطق نطق بمعنى دلَّ على سبيل الاستعارة التبعية. وكذا القول في طار ونام.
ومن استعارة المشتقات قولنا: فلان عقله نائم، وفلان فكره يقظان، فالمراد فلان عقله غافل، وفلان فكره منتبه، وتقول أيضًا: عظيم فعالك ناطق بكل حالك، وهذا مقتول فلان، والمراد عظيم فعالك دالٌّ بحاله، وهذا مأذى فلان. ومنه قوله جل وعلا:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}(الأنبياء: ٣٥) والمراد كل نفس تحس بشدة الموت عند الاحتضار، كما يحس الذائق للشراب المر ما فيه من مرارة.
ويقال في إجراء الاستعارة في هذه المشتقات شُبهت الغفلة بالنوم بجامع عدم الإدراك في كلٍّ، ثم استعير النوم للغفلة فصار النوم بالاستعارة معناه الغفلة، ثم اشتق من النوم نائم بمعنى غافل، وكذا القول في يقظان، وفي ناطق ومقتول، وفي قوله تعالى:{ذَائِقَةُ}.
ومن استعارة الحروف قولنا: فلان في نعمة، والمراد أنه متمتع بالنعمة تمتعًا تامًّا، كأنه في داخلها، وإنما كانت الاستعارة في الأفعال والمشتقات والحروف تبعية؛ لأن الاستعارة قائمة على التشبيه، والتشبيه يقتضي أن يكون المشبه والمشبه به موصوفين بوجه الشبه؛ لأن الوجه وصف جامع بين الطرفين، إلا الحقائق الثابتة في الخارج كالجسم واللون والأسد، أو في العقل كالعلم والجود والذكاء، كما ذكرنا في الاستعارة الأصلية، فيقال مثلًا: جسم صغير وعلم واسع.
أما الأفعال والمشتقات فلا ثبوت لها لا خارجًا ولا عقلًا؛ إذ هي متجددة متغيرة لدخول الزمن المتغير في مفهوم الأفعال ولزومه للمشتقات؛ ولذا لا تصلح أن تكون موصوفًا، وبالتالي لا تصلح للتشبيه، ويتحتم أن يجري التشبيه أولًا في