كقولنا: رأيت بحرًا يتصدق، وأسدًا يخطب، وقمرًا يتكلم؛ فالألفاظ يتصدق، ويخطب، ويتكلم دلَّت على أن المراد بالبحر والأسد والقمر غير معانيها الأصلية، هذه قرائن لفظية.
وقد تكون القرائن غير لفظية كدلالة الحال في قولنا: رأيت بحرًا، والمخاطب يرى رجلًا كريمًا مقبلًا؛ فقد دلت الحال على إرادة الرجل الكريم، ومنعت إرادة المعنى الأصلي للفظ البحر، وكدلالة الاستحالة كما في قوله تعالى:{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ}(الحاقة: ١١) حيث استعير الطغيان للزيادة وارتفاع الماء، والقرينة هي استحالة صدور الطغيان بمعناه الأصلي من الماء.
هذا ويقرر البلاغيون أن القرينة في الاستعارة التصريحية شيء له علاقة بالمشبه، وأنها في المكنية شيء له علاقة بالمشبه به، وتأتي القرينة في الاستعارة التصريحية الأصلية على وجوهٍ أهمها:
أن تكون معنًى واحدًا لا تعدد فيه، وهذا هو الأكثر كقولنا مثلًا: رأيت أسدًا يقاتل، وبحرًا ينفق، أو أن تكون أكثر من معنى، وكل واحد كافٍ في الدلالة على الاستعارة، كما في قول الشاعر:
فإن تعافوا العدل والإيمان ... فإن في أيماننا نيرانا
فقد استعيرت النيران للسيوف، والقرينة تعلق الفعل تعافوا بكل من العدل والإيمان، ويكفي في الدلالة على عدم إرادة النيران تعلقه بأحدهما؛ فالاستعارة لا تتوقف على الأمرين مجتمعين، ولكن المعنى الذي يريده الشاعر يتوقف عليهما معًا، ومراده أن يقول: إما أن تدفعوا الجزية وهي عدل، وإما أن تؤمنوا بالله ورسوله، فإن كرهتم العدل والإيمان حاربناكم، فإن في أيدينا سيوفًا تبرق كالنيران، وبعض البلاغيين يمنع تعدُّد القرينة، لماذا؟ لأنه يرى أنها لا تكون إلا معنًى واحدًا، وما عدا ذلك يكون تجريدًا أو ترشيحًا.