من هذه العلاقات التي هي خاصة بالمجاز المرسل علاقة السببية، وهو أن يذكر المسبب ويراد السبب، بأن يكون المعنى الأصلي للفظ المذكور مسببا عن المعنى المراد فيطلق اسم المسبب على السبب، من ذلك قولهم: أمطرت السماء نباتا أي: ماء، فذكروا المسبب وهي كلمة نباتا، وأرادوا السبب وهو الماء، فهو مجاز مرسل علاقته المسببية.
فمن ذلك قول الله تعالى:{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ}(غافر: ١٣) والذي ينزل من السماء هو الماء الذي يتسبب عنه الرزق، فذكر المسبب في موضع السبب، وتكمن بلاغة المجاز في الآية الكريمة في قوة السببية بين الماء والرزق، وفي ذلك إيحاء وتنبيه للمؤمن إلى أن الرزق مصدره السماء، فليطمئن وليمض على النهج القويم، فالرزق قد قدره الله وكفله للجميع لكونه منزلًا من السماء ولا حجر على فضل الله. من ذلك قول الشاعر يصف غيثًا:
أقبل في المستن من ربابه ... أسنمة الآبال في سحابه
أراد أن الغيث انصب عليهم من سحابه الأبيض فسقى الأرض، وأنبت النبات فارتوت الإبل، وشبعت وسمنت ونمت أسنمتها، وقد جعل الشاعر أسنمة الإبل في السحاب، والذي في السحاب هو الماء، وهذا من ذكر المسبب في موضع السبب أيضا.
ومن ذلك قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}(النساء: ١٠) فالنار لا تؤكل، وإنما المراد يأكلون مالًا حرامًا تتسبب عنه النار التي تكوى بها جنوبهم وظهورهم وجلودهم، فذكر المسبب وهو النار في موضع السبب وهو المال الحرام مال اليتامى، وتكمن بلاغة المجاز في الآية