الكريمة في إبراز هذه السببية، وفي إظهار فظاعة وبشاعة تلك الصورة، صورة من يأكلون أموال اليتامى، فهم يأكلون نارًا تقذف في أفواههم فتندلع في بطونهم فيكون الألم والعذاب.
من ذلك قولهم: كما تدين تدان، أي كما تفعل تجازى، فالمجاز في كلمة تدين حيث عبر عن الفعل بالدين، والدين هو المجازاة والمكافأة وهو مسبب عن الفعل، فهو مجاز مرسل علاقته المسببية إذ أطلق لفظ المسبب وهو المجازاة، وأريد السبب وهو العمل والفعل، أما كلمة تدان فهي على الحقيقة؛ لأن المراد بها المجازاة والمكافأة.
ومن علاقة المسببية التعبير بالفعل عن إرادته، فالإرادة سبب والفعل مسبب عنها، وقد كثر ذلك في القرآن الكريم كما في قول الله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}(النحل: ٩٨) والمعنى: إذا هممت أو عزمت أو أردت قراءته فاستعذ بالله، حيث علم من السنة أن الاستعاذة تسبق القراءة، وفي الآية رتبت الاستعاذة بالفاء على القراءة، فكان هذا الترتيب قرينة على أن المراد بالقراءة إرادتها والعزم عليها، فهو إذن مجاز مرسل علاقته المسببية إذ أطلق المسبب وهو الفعل وأريد السبب وهو العزم والإرادة، وفي ذلك إبراز لقوة السببية بين الإرادة والفعل وتنبيه للمؤمن وحث له على أن يقرن بين العزم بالفعل، فلا يكون هنالك مجال للأماني الكاذبة، وأحلام اليقظة والتقاعس وحياة الكسل.
ومنه أيضا قول الله تعالى:{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}(هود: ٤٥) إذ أريد بالنداء هنا إرادته والعزم عليه، فهو من ذكر المسبب في موضع السبب والقرينة أنه رتب بالفاء في قوله:{فَقَالَ} قوله: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} على النداء مع اتحاد زمنهما في الواقع.