السببية بين الاعتداء وجزائه، وأنه -أعني: الجزاء - يجب أن يكون نتيجة ومحصلة لازمة للاعتداء، فهو لا يتخلف عنه، وكأن هذه الفاء أيضًا مشعرة بسرعة المكافحة وضرورة الترتب.
وليس هذا الذي أشير إليه متناقضًا مع الدعوة إلى العفو والحث عليه؛ لأن المقام في الآية الكريمة ليس مقام تسامح؛ لأنه يحدد الموقف بين المسلمين وغير المسلمين، وعندئذ لا عفو ولا تسامح حتى تظهر الشوكة والغلبة.
وانظر إلى الآية التي تشرع القصاص بين المسلمين وتحدد الصورة التي ينبغي أن تكون عليها علاقاتهم في هذا الشأن:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة: ١٧٨، ١٧٩) تجد الترغيب في العفو والتسامح يشيع في التعبير. انظر إلى قوله:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} ومعناه: فمن عفي له عن جنايته. انظر إلى كلمة:{أَخِيهِ} وما تفيض به في هذا السياق، وكيف أشارت إلى أن رابطة الأخوة قائمة بين المسلم والمسلم وإن كانت بينهما تارات وإِحن، وأن القرآن يذكر وَلي الدم بهذه الأخوة التي تربطه بالجاني؛ ليرغبه في العفو، وقوله:{فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} وصية لولي الدم إذا قبل الديةَ أن يتبع الجاني بالمعروف ولا يعنِّف به في المطالبة.