وأتباعه من سفلة القوم في زعمهم، أما باطن العبارة فهو يعني شيئًا آخر، ربما كان -والله أعلم- متمثلًا في رمي أتباع نوح بالغباء والغفلة والسخرية منهم؛ لقصورهم في التفكير حيث ذهبوا إلى منافاة النبوة للبشرية، وإلى الربط بين الفقر والإيمان بدعوة نوح -عليه السلام- أو اصطفائه من بينهم ليكون أحدَ أولي العزم من الرسل، ولم يدركوا أن النبوة اختيار من الله لمن يهيئه للنهوض بأعباء الدعوة ومواجهة الصعاب، وأن الفقر لا يمنع أن يكون الإنسان ذا نفس طاهرة ترتفع بصاحبها إلى أعلى درجات الأبرار، وترقَى به إلى أشرف مراتب القرب من بارئ السموات والأرض.
ومن روائع التعريض قوله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}(الزمر: ٦٥) وقد يخيل لمن تقع على مسامعه هذه الجملة أن الله يحذِّر نبيه من الشرك إنذارًا يبلغ منتهاه في الشدة بإيقاعه في سياق القسم، لكن مَن ينعم النظر يدرك أن وراء هذا الظاهر أمرًا آخر ربما كان -وهو أعلم بمراده- تحذير مَن تحدثه نفسه بالشرك من قومه، إذ كيف يتصور عاقل أن يحدث الشرك ممن كلف بدعوة الناس إلى توحيد المعبود، واختصاصه بإخلاص القلب والنهوض بتكاليفه التي جعلها مظهر العبودية والتفرد بالتقديس.
وقد يهجس بالقلب خاطر مؤداه: وإذا لم يكن يتصور حدوث الشرك من النبي المرسل فَلِمَ كان التحذير موجهًا إليه في خاصة نفسه؟ أو بعبارة أخرى: فلم لم يكن التحذير من الشرك موجهًا إلى مَن قُصدوا به مباشرة؟ الذي يبدو لنا في هذا الصدد أن ذلك ضرب من اللطف في إذكاء النفوس، وحفز للفكر والتعمق، وذلك بأن يراجع الإنسان نفسه إذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو القائم بأمر الدعوة يتعرض لإحباط عمله وبطلانه، ويقع تحت طائلة الخسران لذلك، فما يكون أمر غيره