للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ممن ليس في رتبته؟!! وهنا تميل نفسه إلى السلوك القويم، وتوجيه الطاعة إلى الله، وإفراده بالألوهية.

ومن لطيف ما ورد في السنة من هذا النسق قوله -صلى الله عليه وسلم- وقد خرج محتضنًا أحد ابني فاطمة الزهراء -رضي الله عنها-: ((والله إنكم لتجبنون وتبخلون وتجهلون، وإنكما لمن ريحان الله، وإن آخر وطأة وطأها الله بوَجِن)) وجن هذا موضع بالطائف، فظاهر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكما لمن ريحان الله)) بيان شدة حبه لسِبطيه، لكن وراء هذا المعنى القريب المباشر معنى آخر يتوارى وراءه، وهو -والله أعلم بمراده صلى الله عليه وسلم- حفز المؤمنين إلى البر بهما، والمودة لهما، وإخلاص الطوية في محبتهما، كما أن ظاهر قوله -عليه السلام-: ((وإن آخر وطأة وطأها الله بوجن)) أن آخر غزوة يواجه فيها المسلمون أعداء الله هي ما كان على مقربة من ذلك الموضع من الطائف، وهي غزوة حُنين، ولكن ثمة فيما يبدو معنى آخر يؤكده عدم خروجه -صلى الله عليه وسلم- مع الجيش الإسلامي في معركة أخرى بعدها، مما يعني أن قوله هذا كان إيماء إلى نعيه -صلوات الله وسلامه عليه-.

ومن روائع التعريض ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة؛ إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فناداه عمر: "أي ساعة هذه؟! قال: إني شُغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد على أن توضأت، فقال: والوضوء؟! ". فهذا الاستفهام الإنكاري لتأخر هذا الصحابي الجليل يحمل في طياته تعريضًا بتركه ما يجمل به وهو من المهاجرين الأولين.

فقد قال ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: وهذا الاستفهام استفهام توبيخ وإنكار، ومن مثله قال النووي: ويبدو لنا من هذا أن التوبيخ على التأخر يحمل

<<  <   >  >>