ما رزقا"، وفيه تعريض بما ينبغي له من صرف نفسه عن التطلع إليها والتصبر عنها. قال عبد القاهر: الغرض أن يفهمك من طريق التعريض أنه قد صار ينصح نفسه ويعلم أنه ينبغي له أن يقطع الطمع من وصلها، وييأس من أن يكون منها إسعاف.
ومما جاء على هذا النسق -نسق التعريض- ما قاله الشاعر علي بن الحسن:
ما أنت بالسبب الضعيف ... وإنما نجح الأمور بقوة الأسباب
فاليوم حاجتنا إليك وإنما ... يدعَى الطبيب لساعة الأوصاب
ففي البيت الأول نفى الشاعر عن ممدوحه أن يكون سببًا ضعيفًا لتحقيق ما يؤمل، ثم أردف ذلك بقصر النجح في الأمور على القوي من الأسباب، وفي هذا تعريض بأنه خليق بأن يظفر بما أمَّله، ثم بين شدة حاجته إليه في اليوم الذي وقف فيه بين يديه، ومثل اللجوء إليه عند الحاجة باللجوء إلى الطبيب عند المرض، وتوسل إلى ترقيق قلبه عليه بإفراغ ذلك في إطار القصر، وفي ذلك تلويح بأنه خليق به أن يرق له ويحقق ما يؤمل فيه. وهذا ما أوجزه عبد القاهر بقوله في تحليل البيتين، يقول في البيت الأول: إنه ينبغي أن أنجح في أمري حين جعلتك السبب إليَّ. ويقول في الثاني: إنا قد وضعنا الشيء في موضعه وطلبنا الأمر من جهته حين استعنا بك فيما عرض لنا من الحاجة، وعولنا على فضلك كما أن مَن عول على الطبيب فيما يعرض له من السقم كان قد أصاب في التعويل موضعه، وطلب الشيء من معدنه.
ومن روائع هذا الضرب من فنون القول ما جاء في قول الله تعالى:{قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}(الأنبياء: ٦٢، ٦٣) فإنما أورد إبراهيم -صلوات الله عليه- هذا الكلام على جهة التهكم والاستهزاء والسخرية بعقولهم، وذلك إنما يكون من وجهين: