وتضحى فتيت المسك فوق فراشها ... نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل
وكذا قول الآخر:
أكلت دمًا إن لم أرعك بضرة ... بعيدة مهوى القِرط طيبة النشر
الأمر الثاني: من بلاغة الكناية والتعريض، هو تجسيد المعاني وإبرازها في صورة محسوسة تزخر بالحياة والحركة، فيكون ذلك أدعى لتأكيدها ورسوخها في النفس، ويتضح هذا من قول الله تعالى:{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}(الإسراء: ٢٩) فقد أبرزت الآية معنى البخل في صورة اليد المشدودة إلى العنق المقيدة به، وهي صورة قبيحة تنفر منها النفوس، فتُقبل على البذل والعطاء، وكقوله:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ}(الفرقان: ٢٧) وقوله: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}(الأعراف: ١٤٩) وقوله: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا}(الكهف: ٤٢) فكل هذه الآيات أبرزت الندم في صورة محسوسة مشاهدة.
من بلاغة الكناية والتعريض أيضًا: التعبير عن المعاني غير المستحسنة بألفاظ لا تعافها الأذواق ولا تمجها الآذان، وشواهد هذا كثيرة في النظم الكريم، من ذلك قوله تعالى كناية عن الجماع:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}(النساء: ٤٣){أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}(البقرة: ١٨٧) في الكناية عن الفرج: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}(البقرة: ٢٢٣) في الكناية عن النكاح: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا}(البقرة: ٢٣٥) في الكناية عن قضاء الحاجة: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}(النساء: ٤٣){مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}(المائدة: ٧٥).
ومن بلاغتهما: أنه يستطاع أيضًا التعمية والتغطية وإخفاء ما يود المتكلم إخفاءَه؛ حرصًا على المكنى عنه أو المعرض به، ورغبةً في عدم تردده على الألسنة، كما