في الكناية عن أسماء النساء، أو خوفًا من الإفصاح بالمكنى عنه، كما في الكناية عن أسماء الأعداء. إلى غير ذلك.
من هذه المحاسن تفخيم المعنى في نفوس السامعين، ويتضح لنا ذلك في قول الله مثلًا في وصف يوم القيامة وما فيه من أهوال:{الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ}(القارعة: ١ - ٥) وقوله: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى}(النازعات: ٣٤){إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}(الزلزلة: ١) إلى غير ذلك من الآيات التي كُني فيها عن يوم القيامة بوصف ما يكون فيه من أحداث وأهوال، تقرع القلوب وتزعج النفوس.
وبمقدورنا بعد هذه الإفاضة في طرق الأداء من حقيقة وتشبيه ومجاز وكناية وتعريض؛ أن نخلص إلى أن الحقيقة والمجاز وسيلتان من وسائل التعبير، لا تغني إحداهما عن الأخرى في نقل المعنى أو رسم الصورة، وقد اتفق البلاغيون على أن المجاز أبلغ من الحقيقة، وأن الاستعارة أبلغ من التشبيه، والكناية أبلغ من التصريح، واختلفوا في الموازنة بين المجاز والكناية، فقيل: أن الكناية أبلغ من المجاز بنوعيه المرسل والاستعارة، وقيل: الاستعارة أبلغ من الكناية؛ لأنها كالجامعة بين الاستعارة والكناية، وقيل غير ذلك.
وأرى -فيمن يرى- أن اختلاف البلاغيين في الموازنة بين هذه الفنون لا أثرَ له فيما تُصَوِّرُه؛ إذ المرجع في ذلك لما يقتضيه المقام، فإن اقتضى المقام الإفصاح كان بلا ريب أبلغ من الكناية، وإذا اقتضى التشبيه كان أبلغ من الاستعارة. وهكذا.