للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معًا: الإيتاء أو ما في معناه، والنزع أو ما في معناه. وكذلك الإعزاز والإذلال بشتى وجوههما.

ولما كان مقياس الذاتية والعرضية عند المتأخرين من علماء البلاغة وعدم استقامة الأغراض بفقدان الأول واستقامتها بفقدان الثاني، كان جديرًا بنا أن نعرض الطباق على هذا المقياس ونجعله حُكمًا فيه؛ لأنك إذا طبّقت هذا على مثل تلك الآية الكريمة من أساليب، اقتنعتَ أن ذكرى المقابل لا محيص عنه في صياغة مثل هذا الغرض؛ إذ قد يقدر شخص على الإيتاء ولكنه لا يقدر على النزع، ويستطيع إنسان أن يعز ولكنه قد يعجز عن الإذلال، ومع هذا لا تضن عليه بوصفه بالقدرة، ولكن المضنون به عليه هو الحكم له بالقدرة التامة والسلطان الشامل، فتلك هي التي تستحوذ على الأمرين وتتعلق بالضدين، وهذا كافٍ في إثبات التحسين الذاتي لأساليب الطباق، وعلى غراره تجري أساليب المقابلات.

ولو نظرنا إلى أساليب مراعاة النظير مثلًا في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَان} (الرحمن: ٥) تجد هذا الآية جمعت بين الشمس والقمر، وهما متناسبان بتقارنهما في الخيال؛ ولكونهما كوكبين سماويين يبددان ظلام الكون، وإذا كان الغرض من هذا الجمع هو الحكم عليهما بأنهما يجريان في بروجهما بحسبان معلوم المقدار لا يزيدان عليه ولا ينقصان عنه، وبذلك نظام الكائنات واختلاف الفصول والأوقات وحساب الشهور والسنين، كان ذلك الصنيع أخصر الطرق في أداء هذا الغرض، وإيصاله إلى النفوس، نعم، يمكن أن يقال في غير القرآن: الشمس بحسبان والقمر بحسبان، فيكون لغوًا من القول وباطلًا من التأليف؛ لأنه إطناب لا داعي له ولا غرض يستدعيه، فأساليب مراعاة النظير التي عمادها جمع أمر وما يناسبه لا بالتضاد مما تقتضيها الأحوال إذن وتستدعيها الأغراض.

<<  <   >  >>