للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكما لو تأملنا أسلوب الإرصاد في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (العنكبوت: ٤٠).

فغرض الآية -والله أعلم- نفي أن يكون من الله ظلم للعباد، وإثبات ظلمهم لأنفسهم، وطبيعة الأسلوب الذي يؤدَّى به مثل هذا الغرض أن يدل أوله على آخره وسابقه على لاحقه، ولذلك يقول السبكي: لو وقف القارئ على أنفسهم لفهم أن بعده يظلم، وروي أنه لما بلغت قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم-: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} (المؤمنون: ١٤) قال عبد الله بن أبي سرح: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون: ١٤) فقال النبي -صلى الله عليه سلم-: ((كذلك أنزلت)). فإذا كان الغرض متعلقًا بمثل هذا كان ما أطلقوا عليه اسم الإرصاد عائدًا على الأسلوب بالتحسين الذاتي؛ لأنه مما يقتضيه المقام.

والأمثلة القرآنية المشتملة على ألوان البديع أكثر من أن يتسع لها هذا المقام، هي كثيرة ومبثوثة في أساليب القرآن وآياته، وكلها تشهد بأن حسنها ذاتي، داخل في صميم البلاغة، ودال على عظمة القرآن وإعجازه.

وقد أكد الدكتور محمد أبو موسى في كتابه (البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري) أكد على أن البلاغة القرآنية يتساوى فيها ألوان البديع وفنون المعاني والبيان، فبلاغة القرآن المعجزة تحيط بكل هذه الألوان والفنون، وذلك في قوله عن ألوان البديع في تفسير الزمخشري: عرَض الزمخشري للمشاكلة وللطباق وللجناس وللمزاوجة وللتقسيم، وغير ذلك، مما جعله المتأخرون من علم البديع، كما عرض لفنون البيان والمعاني، ولا أجد من كلامه ما يدل على أن الألوان التي جعلها المتأخرون من علم البديع دون غيرها من فنون البيان والمعاني، من حيث أثرها في قوة الكلام وبلاغته، وقد نظرتُ في كتابه كله ووقفت عند كل لون ذكره

<<  <   >  >>