لعن الإله بني كليب إنهم ... لا يغدرون ولا يَفون لجار
يستيقظون إلى نهيق حمارهم ... وتنام أعينهم عن الأوتار
وفي هذا المقام جمع الشاعر بين كلمتين متضادين "يغدرون ويفون"، وكلاهما منفي، ولا يؤثر في المعنى عنده أن الغدر المنفي غدر مطلق وأن الوفاء المنفي وفاء مقيد، وأوضح منه ذلك الباب الذي عقده ابن فارس في كتابه (الصاحبي) بعنوان: باب نفي الشيء جملةً من أجل عدم كمال صفته، قال فيه: قال الله في صفة أهل النار: {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا}(طه: ٧٤)، فنفى عنه الموت؛ لأنه ليس بموت مريح، ونفى عنه الحياة؛ لأنها ليست بحياة طيبة ولا نافعة، وهذا في كلام العرب كثير. ومنه قول الشاعر:
من كل بلهاء سقوط البرقع ... بيضاء لم تُحفظ ولم تُضيع
فالضدان هنا منتفيان معًا؛ لأن الصفة ليست مكتملة، قريب من ذلك الباب الآخر الذي سماه: باب نفي في ضمنه إثبات، ومثله قوله تعالى:{لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّة}(النور: ٣٥) قال أبو عبيدة: {لَا شَرْقِيَّةٍ} تضحى للشرق، {وَلَا غَرْبِيَّة} تضحى للغرب، ولكنها شرقية غربية يصيبها ذا وذا الشرق والغرب، ومنه قول الشاعر:
وأنت مسيخ كلحم الحمار ... فلا أنت حلو ولا أنت مر
حيث جمع بين الحلاوة والمرارة، ونفاهما معًا؛ يعني أن فيه ذا وذا.
ومؤدَّى ما سبق في طباق التضاد هو أن الطباق على نحو ما يكون بين الألفاظ المتضادة، يكون بين المعاني المتضادة، كأن يجتمع معنيان متضادان ويكون أحدهما مثبتًا والآخر منفيًّا كقوله تعالى:{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}(التحريم: ٦) لأن الذي يقابل المعصية الطاعة، وهي مستفادة من فعل