والمقابلة على هذا الأساس -سواء كانت أصلًا والطباق فرعًا عليها أم كانت فرعًا على الطباق وهو الأقرب إلى الصواب- تبدأ من مقابلة اثنين باثنين وتنتهي بمقابلة ستة بستة، ولا يشترط التضاد في المقابلة كما اشترط في الطباق، فيمكنك أن تقابل بين المعاني المتضادة تضادًّا صريحًا ظاهرًا أو خفيًّا ويمكنك أن تقابل بما يلحق بالطباق بأي صورة من صوره، فالتضاد في صور المقابلة مبني على التوسع وهذا معنى قول ابن أبي الأصبع: والمقابلة تكون بالأضداد وغيرها، لكن الخطيب يفضّل التقابل بالأضداد على التقابل بغيرها، وهذا واضح من الموازنة بين بيت أبي دلامة في مقابلة ثلاثة بثلاثة:
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا ... وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
وبيت أبي الطيب في مقابلة خمسة بخمسة:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي
قال: ورُجّح بيت أبي الطيب على بيت أبي دلامة لكثرة المقابلة مع سهولة النظم، وبأنها قافية هذا متمكنة وقافية هذا مستدعاة، فإن ما ذكره غير مختص بالرجال، كما يتميز بيت أبي دلامة على بيت أبي الطيب بجودة المقابلة، فإن ضد الليل المحض هو النهار لا الصبح، ومعنى هذا أن بلاغة المقابلة قائمة على أساسين: كثرة المقابلات والتضاد الحقيقي.
فإذا اجتمعَا معًا كان أبلغَ وإذا تفرقَا حاذ كلٌّ جانبًا من البلاغة كما اتضح في الموازنة، فمن مقابلة اثنين باثنين قوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(البقرة: ١٨٥)، حيث قوبل إرادة اليسر بإرادة العسر، ومنه قوله:{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة: ٨١)، حيث قُوبل الفرح والقعود بالكراهية والجهاد،