وهذا ينم عن عداوة المنافقين وشدة حقدهم، فسرورهم كامن في القعود والتخلف وحزنهم وكراهيتهم في الجهاد لإعلاء كلمة الحق.
ومن مقابلة اثنين من المعاني باثنين قوله تعالى:{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}(الأعراف: ١٥٧)، حيث قابل الأمر بالمعروف بالنهي عن المنكر، وحِل الطيبات لهم بتحريم الخبائث عليهم. وقوله:{فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(التوبة: ٨٢). حيث قوبل الضحك بالبكاء والقلة بالكثرة، ومنه قوله تعالى:{بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}(الحديد: ١٣)، حيث قوبل بين {بَاطِنُهُ} و"رحمة" بـ"ظاهره" و {الْعَذَابُ}، ومثله قوله في نفس السورة:{لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}(الحديد: ٢٣). حيث قوبل الأسى بالفرح وما فات بما هو آتٍ، ومنه قوله -جل وعلا-: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}(الانفطار:١٣ - ١٤).
ويدخل في ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)) وقول عمران الطلحي للمنصور وقد وجه إليه قوله: بلغني أنك بخيل، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أجمدُ في حق ولا أذوب في باطل.
ومن ذلك أيضًا قول جرير:
وأعور من نبهان أما نهاره ... فأعمى وأما ليله فبصير
ومنه قول أحد الأعراب لرجل: إن فلانًا وإن ضحك لك فإنه يضحك منك، فإن لم تتخذه عدوًّا في علانيتك فلا تجعله صديقًا في سريرتك.
وقد جعل ابن وهب قول الشاعر:
أموت إذا ما صدني بوجهه ... ويفرح قلبي حين رجع للوصل