للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي

أدنى منه مقابلةً؛ لأنه قابل الليل بالصبح، والذي يقابل الليل هو النهار لا الصبح، مع أن الذي يكشفه ويكشف زيارته وعلاقته بمحبوبته هو الصبح لا النهار مطلقًا، فالمعنى هنا يحتم وضع الصباح بإزاء الليل؛ لأن إشراقته هي التي تشي به وتغري به، فلمَ لا يكون مع ذلك جيد المقابلة كما حكم لبيت أبي دلامة بجودة المقابلة؟!

ومن مقابلة ثلاثة بثلاث قول المتنبي:

فلا الجود يفني المال والجِد مقبل ... ولا البخل يبقي المال والجد مدبر

حيث قابل الجود والإفناء والإقبال بالبخل والإبقاء والإدبار.

وأما مقابلة أربعة بأربعة فالشاهد العَلَمُ فيها قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (الليل:٥ - ١٠)، وهو شاهد السكاكي على المقابلة أيضًا لانطباق تعريفه عليها، حيث عقبها بقوله: لما جعل التيسير مشتركًا بين الإعطاء والاتقاء والتصديق، جُعل ضده وهو التعسير مشتركًا بين أضداد ذلك، وهي المنع والاستغناء والتكذيب، والذي يبدو أن الخطيب القزويني لم يُرد تضادًّا ظاهرًا بين: {اتَّقَى} و {اسْتَغْنَى} فاضطر إلى أن يتأول له، ويكشف عن وجه التضاد فيه قال: فإن المراد بـ {اسْتَغْنَى} أنه زهد فيما عند الله كأنه مستغن عنه، فلم يتقِ أو استغن بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة فلم يتقِ، ومع هذا لم يستطِع الخطيب القزويني أن يحكم على هذه المقابلة بأنها غير جيدة.

ومما هو داخل في ضرب مقابلة الأربعة بأربعة قول جرير:

وباسطُ خير فيكم بيمينه ... وقابض شرٍّ عنكم بشماله

<<  <   >  >>