ولذلك تسمع وترى مَن أسلم بسبب سماعه للقرآن الكريم، وخير مثال لذلك ما حدث لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما سمع سورة "طه" أو "الحاقة" في إحدى روايتي إسلامه. من أجل هذا يحاول الكفرة قديمًا وحديثًا صَرْفَ الناس عن مجرد سماع القرآن، أخبر الله عنهم حيث قال -جل وعلا:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}(فصلت: ٢٦) ولذا لا يُمل سماعُ القرآن بسبب ما فيه من فواصل وخلافها، حتى قال فيه أفصحُ العربِ -صلى الله عليه وسلم:((لا يخلق عن كثرة الرد)). ونحن المسلمين نقرأ القرآن منذ نعومة أظافرنا ولا نمله إن شاء الله ما بقينا، حتى إنك تقف مندهشًا من حفظ الأطفال الصغار جدًّا جزء عم لما فيه من الفواصل البليغة، في حين أنهم لا يستطيعون حفظ قصيدة لامرئ القيس، أو حتى لحسان بن ثابت -رضي الله عنه- وما هذا إلا أنه بُنِيَ على فواصلَ بليغة حكيمة، كل فاصلة في مكانها، وحُق لنا أن نعتز بهذا الكتاب، وحقًّا صدق الله إذ يقول:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر: ٩).
والسجع كغيره من ألوان البلاغة إنما يُستحسن ويُستجاد إذا صدر عن طبع، وجاء عفوًا، وقاد إليه المعنى، أما إذا تُكلف وتُصنِّع، وصار هو الذي يقود إلى المعنى، فإنه يستقبح ويُعاب، ويرد على قائله. يقول الإمام عبد القاهر:"ولن تجد أيمنَ طائرًا، ولا أحسنَ أولًا وآخرًا، وأهدى إلى الإحسان وأجلبَ إلى الاستحسان، من أن ترسل المعاني على سجيتها، وتدعها تطلب لأنفسها الألفاظ، فإنها إذا تُركتْ وما تريد لم تكتسِ إلا ما يليق بها، ولم تَلْبَسْ من المعارض إلا ما يَزينها، أما أن تضع في نفسك أنك لا بد من أن تجنس أو تَسْجَع بلفظين مخصوصين، فهو الذي أنت منه بعَرَض الاستكراه، وعلى خطر من الخطأ والوقوع في الذم".