للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للبساتين إلا ما كان محتويًا على الحَب والنبات. ومن ذلك قوله -تبارك وتعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} (النبأ: ٢٧، ٢٨) فإن عدم اعتقادهم في الحساب هو تكذيبهم بالآيات. ومثل هذا في القرآن العزيز كثير جدًّا.

والرأي في ذلك: أن السجعة الثانية عندما تأتي بمعنى الأُولى فإن كانت مؤكدةً لها أو مبينةً وموضحةً -كما رأينا في الآيات- فذلك محمود؛ لأنه إطناب، والإطناب من البلاغة، أما إذا كان تكرارها لا يزيد الأولى شيئا فذلك مذموم؛ لأنه من التطويل، والتطويل عيب في الكلام. ومن ذلك التطويل المعيب: قول الصبي: الحمد لله الذي لا تدركه العيون بألحاظها، ولا تحده الألسن بألفاظها، ولا تَخلقه العصور بمرورها، ولا تهرمه الدهور بكرورها. فلا فرق هنا بين مرور العصور وكَر الدهور. يقول: ثم الصلاة على النبي الذي لم يرَ للكفر أثرًا إلا طمسه ومحاه، ولا رسمًا إلا أزاله وعفاه. فهنا تجد أنه لا فرق بين محو الأثر وعفاء الرسم. فالسجعة الثانية في كل مكررة، وتكرارها لم يفد الأولى شيئًا، ولم يزد الكلام بهجةً، ولا أضفى عليه رونقًا، ولذا كان من التطويل المعيب. هذا، وللسجع أنواع باعتبار وروده في النثر والشعر، إذ بعض هذه الأنواع يكون في النثر والشعر معًا يشترك فيهما، وبعضها يختص بالشعر فقط. فأنواعه المشتركة بين النثر والشعر ثلاثة:

أولها: المطرف: وهو ما اختلفت فيه الفاصلتان أو الفواصل وزنًا واتفقت رويًّا، كما في قول الله تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} (نوح: ١٣، ١٤) فوزن: {وَقَارًا} يختلف عن وزن: {أَطْوَارًا} والروي واحد، وهو حرف الراء. ومنه شعرًا، قول أبي تمام وقد سبق:

<<  <   >  >>