للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجزء الثالث ما يتعلق بوجه الشبه باعتبار ظهوره وخفائه، فوجه الشبه بهذا الاعتبار نوعان:

هناك قريب مبتذل: وهو ما كان ينتقل فيه الذهن، أو ما انتقل فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به، دون حاجة إلى إعمال فكر وتدقيق نظر.

وهناك تشبيه بعيد غريب، وهو ما لا ينتقل فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به، إلا بعد فكر وإطالة نظر، وذلك لخفاء وجه الشبه في بادئ الأمر، ودقته، ولنضرب مثلًا أو مثالين لكل منهما: التشبيه القريب مثلًا: وهو ما ينتقل فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به، دون حاجة إلى إعمال فكر وتدقيق نظر، كأن يشبه مثلًا الوجه الحسن بالبدر، والرجل الشجاع بالأسد، ونشبه الرجل الكريم بالغيث، هذه وأمثالها الذهن لا يجد عناء في إدراك وجه الشبه، ولا يعني وصف هذه التشبيهات بالقرب والابتذال، إنها رديئة مستنكرة، لكن المراد أنها قريبة التناول، سهلة المآخذ، يستوي فيها الخاصة والعامة، ويمكن لأي واحد أن يقول تشبيهًا مثل هذا، لكن التشبيه البعيد الغريب، وهو ما لا ينتقل فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به إلا بعد فكر وإطالة نظر، وذلك لخفاء وجه الشبه في بادئ الأمر ودقته، هذا هو الذي محل اعتبار لدى البلاغيين.

ونذكر مثلًا قول الشاعر:

وكأن البرق مصحف قارن ... فانطباقًا مرة وانفتاحًا

فنجد أن ابن المعتز هنا يشبه البرق بالمصحف الذي يكون في يد القارئ، وأن وجه الشبه هنا هو هيئة توالي حركتين في اتجاهين مختلفين، ينشأ عن إحداهما ظهور وانفتاح، وعن الأخرى خفاء وانطباق، لا ينتقل الذهن في إدراكه والوقوف عليهم من المشبه إلى المشبه به، إلا بإطالة النظر، وإعمال الفكر لدقته وخفائه، فهي حركة خاصة تحتاج من الأديب، أو القارئ إلى أن يغض النظر عما عداها مما في البرق من إشراق.

وما في المصحف من لون حين يفتحه القارئ، إذن فهذه نجد أن وجه الشبه فيه بعيد غريب لا ينتقل الذهن إلا بعد إعمال فكر، وإعمال نظر.

بذلك نستطيع أن نذكر خلاصة ما سبق أن ذكرناه: وهو أن وجه الشبه والمعنى الذي يشترك فيه طرفا التشبيه حقيقة أو خيالًا، وله -كما قلنا- أقسام باعتبار الحسية والعقلية، والإفراد والتركيب والتعدد، بلغت هذه الأنواع إلى سبعة؛ لأنه إما أن يكون وجه الشبه مفرد حسي، أو عقلي، إما أن يكون مركب حسي أو عقلي، متعدد حسي أو عقلي، أو متعدد مختلف، أو مختلط بعضه حسي وبعضه عقلي.

ثم بعد ذلك انتقلنا إلى وجه الشبه باعتبار ذكره وحذفه، فقلنا: إذا ذكر وجه الشبه كان مفصلًا، وإذا حذف كان مجملًا، ثم ذكرنا في آخر الكلام أنواع وجه الشبه باعتبار الظهور والخفاء، وقلنا: إنه قد يأتي قريبًا مبتذلًا، وهو ما ينتقل فيه الذهن إلى من المشبه إلى المشبه به، دون حاجة إلى فكر وإعمال نظر، وبعيد قريب غريب، وهو ما ينتقل فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به بعد فكر وإطالة نظر.

<<  <   >  >>