ومما يفيد المبالغة قوله تعالى:{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(الحديد: ٢١) فسعة الجنة لا يدرك العقل مداها، ولا يعرف منتهاها، إما يفيد الإيجاز قوله تعالى:{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}(الأعراف: ٢٩)، ومنه ما رُوي من أن الرشيد لما حج دخل مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم، وبعث إلى الإمام مالك بن أنس، فلما قدم بين يديه سلم عليه وسلم عليه بالخلافة، "قال: يا مالك صف لي مكان أبي بكر وعمر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحياة الدنيا، فقال مالك: يا أمير المؤمنين مكانهما منه كمكان قبريهما من قبره، فقال الرشيد: شفيتني يا مالك". هكذا بهذه الكلمات القليلة التي قالها الإمام مالك أفاد معانٍ كبيرة وعظيمة أغنت هذه الكلمات القليلة عن ذكرها، إلى غير ذلك مما جاء على ألسنة أهل الأدب، والعلم، والفضل مما يضيق بذكره المقام.
وعندما نتناول غرابة التشبيه والمرجع فيه نحاول هنا أن نستزيد مما له شديد تعلق وصلة بأركان التشبيه التي سبق الإفاضة فيها، إذ لوحظ أن مرجع غرابة التشبيه وحسنه وبعده أحيانًا يعود إلى انتقاء الطرفين، أو أحدهما، وأحيانًا إلى اختيار الأداة على نحو ما رأينا في اختيار كأن في جواب ملكة سبأ، وأحيانًا يكون مرجعه إلى الغرض المسوق له الكلام، أو التشبيه كما سبق أن ذكرنا فيما يعود على المشبه من إمكان وجوده، أو من بيان حاله، وكذلك مما يعود على المشبه به من التشبيه المقلوب لكن غالبًا ما تكون هذه الغرابة في التشبيه مردُّها إلى وجه الشبه، ومرد تفاوت التشبيهات في الأخير بالذات واضحة جلية، وما كان منه على جهة الخصوص مركبًا حسيًّا راجع بالأساس إلى مقدرة الأديب، ونظرته الثاقبة في الهيئات والحركات التي يتكوَّن منها وجه الشبه، وإلى مقدار ما يبذله من جهد فكري في استقصاء صفات الطرفين، واستخلاص ما يُلائم منها لعقد المشابهة، ومراعاة الملائمة التامة بين اللون واللون، والشكل والشكل، والحجم