للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

العبد بالله - جل وعلا - ظن الحق. وأما ظن السوء فهو ظن الجاهلية، الذي هو مناف لأصل التوحيد في بعض أحواله، أو مناف لكمال التوحيد، وظن السوء بالله - جل وعلا - من خصال أهل الجاهلية.

قال ابن القيم في الزاد عن قوله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}:

وَقَدْ فُسِّرَ هَذَا الظَّنُّ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ:

• بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَنْصُرُ رَسُولَهُ، وَأَنَّ أَمْرَهُ سَيَضْمَحِلُّ، وَأَنّهُ يُسْلِمُهُ لِلْقَتْلِ،

• وَقَدْ فُسِّرَ بِظَنِّهِمْ أَنَّ مَا أَصَابَهُمْ لَمْ يَكُنْ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَلَا حِكْمَةَ لَهُ فِيهِ،

فَفُسِّرَ بِإِنْكَارِ الْحِكْمَةِ، وَإِنْكَارِ الْقَدَرِ، وَإِنْكَارِ أَنْ يُتِمَّ أَمْرَ رَسُولِهِ، وَيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَهَذَا هُوَ ظَنُّ السَّوْءِ الَّذِي ظَنَّهُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُشْرِكُونَ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي سُورَةِ الْفَتْحِ حَيْثُ يَقُولُ: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح: ٦]، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا ظَنَّ السَّوْءِ، وَظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَنْسُوبَ إِلَى أَهْلِ الْجَهْلِ، وَظَنَّ غَيْرِ الْحَقِّ لِأَنّهُ ظَنُّ غَيْرِ مَا يَلِيقُ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا وَذَاتِهِ الْمُبَرَّأَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَسُوءٍ، بِخِلَافِ مَا يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ وَتَفَرُّدِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّهِ، وَمَا يَلِيقُ بِوَعْدِهِ الصَّادِقِ الَّذِي لَا يُخْلِفُهُ وَبِكَلِمَتِهِ الَّتِي سَبَقَتْ لِرُسُلِهِ أَنَّهُ يَنْصُرُهُمْ وَلَا يَخْذُلُهُمْ، وَلِجُنْدِهِ بِأَنَّهُمْ هُمُ الْغَالِبُونَ؛ فَمَنْ ظَنَّ: بِأَنَّهُ لَا يَنْصُرُ رَسُولَهُ، وَلَا يُتِمُّ أَمْرَهُ، وَلَا يُؤَيِّدُهُ وَيُؤَيِّدُ حِزْبَهُ، وَيُعْلِيهِمْ وَيُظْفِرُهُمْ بِأَعْدَائِهِ، وَيُظْهِرُهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَنْصُرُ دِينَهُ وَكِتَابَهُ، وَأَنّهُ يُدِيلُ الشِّرْكَ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَالْبَاطِلَ عَلَى الْحَقِّ إدَالَةً مُسْتَقِرَّةً يَضْمَحِلُّ مَعَهَا التَّوْحِيدُ وَالْحَقُّ اضْمِحْلَالًا لَا يَقُومُ

<<  <   >  >>