إن لم تقم هذه البراءة في قلبه، فلا يكون موحدا، والبراءة هي: أن يكون مبغضا لعبادة غير الله، كافرا بعبادة غير الله، معاديا لعبادة غير الله، كما قال في الآية هنا:{إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ}. فليس المراد قولها باللسان مع الجهل بمعناها، فإن المنافقين يقولونها وهم تحت الكفار في الدرك الأسفل من النار، مع كونهم يصلون ويتصدقون. ولكن المراد قولها مع معرفتها بالقلب، ومحبتها ومحبة أهلها وبغض من خالفها ومعاداته. والكفر بالطاغوت: أي ومن حق كلمة التوحيد: "الكفر بالطاغوت" والدليل قول الله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا}[البقرة: ٢٥٦] وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: ٣٦] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ}[الزمر: ١٧] وفي صحيح مسلم عن طارق بن أشيم الأشجعي قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:" مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ، وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ " فلا بد أن يقول: لا إله إلا الله. ويتبرأ من عبادة غير الله؛ وينكرها، ويعتقد بطلانها. ومن رضي دين النصارى دينا يدينون الله به، فهو كافر؛ ومن صحح دين النصارى أو اليهود أو غيرهم من ملل الكفر، ولم يعتقد كفرهم فهو كافر لأنه إذا ساوى غير دين الإسلام مع الإسلام، فقد كذَّب قوله تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران: ٨٥] وبهذا يكون كافرا. ومن صحح دين النصارى كان مكذِّبا بقول الله تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}[المائدة: ٧٣] والطاغوت: مشتق من الطغيان، وهو: مجاوزة الحد. فالطاغية هو الذي تجاوز الحد في أمر الدين؛ ويعرف ابن القيم -رحمه الله- الطاغوت بأنه:" كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع ".