للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أو كان بالإرادة: أي النية. والمعنى أن من الشرك إرادة المرء بعمله غير الله. فالمرء إن كان الباعث على عمله ابتغاء وجه الله حصل له هذا الأجر، وإن كان الباعث عليه الرياء والسمعة أو المباهاة فصاحبه متعرض لمقت الله وعقابه، مثل من صلى يرائي، أو حج يرائي، أو تصدق يرائي. وفي الصحيحين عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»

قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وَاعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ فِي اللُّغَةِ نَوْعٌ مِنَ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ، … وَالنِّيَّةُ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ تَقَعُ بِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِمَعْنَى:

• تَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ، كَتَمْيِيزِ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَثَلًا، وَتَمْيِيزِ صِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ صِيَامِ غَيْرِهِ،

• أَوْ تَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ مِنَ الْعَادَاتِ، كَتَمْيِيزِ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ مِنْ غُسْلِ التَّبَرُّدِ وَالتَّنَظُّفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ النِّيَّةُ هِيَ الَّتِي تُوجَدُ كَثِيرًا فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ.

وَالْمَعْنَى الثَّانِي: بِمَعْنَى تَمْيِيزِ الْمَقْصُودِ بِالْعَمَلِ، وَهَلْ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَمْ غَيْرُهُ، أَمِ اللَّهُ وَغَيْرُهُ، وَهَذِهِ النِّيَّةُ هِيَ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا الْعَارِفُونَ فِي كُتُبِهِمْ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَتَوَابِعِهِ، وَهِيَ الَّتِي تُوجَدُ كَثِيرًا فِي كَلَامِ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِينَ … وَهِيَ النِّيَّةُ الَّتِي يَتَكَرَّرُ ذِكْرُهَا فِي كَلَامِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تَارَةً بِلَفْظِ النِّيَّةِ، وَتَارَةً بِلَفْظِ الْإِرَادَةِ، وَتَارَةً بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ لِذَلِكَ، … وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِلَفْظِ الْإِرَادَةِ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: ١٥٢] … إلخ

<<  <   >  >>