حيث لا يقدر عليها العبد، وأنه أرحم بعبده من نفسه، ومن والديه، وأرأف به من كل أحد، خصوصًا خواص عبيده، الذين لم يزل يربيهم ببره، ويُدِرُّ عليهم بركاته الظاهرة والباطنة، خصوصًا وقد أمره بإلقاء أموره إليه، ووعده، فهناك لا تسأل عن كل أمر يتيسر، وصعب يسهل، وخطوب تهون، وكروب تزول، وأحوال وحوائج تقضى، وبركات تنزل، ونقم تدفع، وشرور ترفع. وهناك ترى العبد الضعيف، الذي فوض أمره لسيده، قد قام بأمور لا تقوم بها أمة من الناس، وقد سهل الله عليه ما كان يصعب على فحول الرجال وبالله المستعان.
٤. وقال تعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[الأنفال: ٦١]
٥. وقال تعالى:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}[هود: ١٢٣] أي: قم بعبادته، وهي جميع ما أمر الله به مما تقدر عليه، وتوكل على الله في ذلك. وقد جمع الله في هذه الآية بين الأمر بعبادته والتوكل عليه كقوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: ٥] لأنهما يحصل بمجموعهما كمال العبد، ويفوته الكمال بفوتهما أو فوت أحدهما.
٦. وقال تعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}[الفرقان: ٥٨] أمر سبحانه نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يتوكل عليه ويستعين به فقال:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ} الذي له الحياة الكاملة المطلقة {الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} أي: اعبده وتوكل عليه في الأمور المتعلقة بك والمتعلقة بالخلق. {وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} يعلمها ويجازي عليها. فأنت ليس عليك من هداهم شيء وليس عليك حفظ أعمالهم، وإنما ذلك كله بيد الله.